سَبِيلاً (٨٤) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٥) وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (٨٦) إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (٨٧) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (٨٨))
(وَمِنَ اللَّيْلِ) أي : وعليك أو وقم بعض الليل (فَتَهَجَّدْ بِهِ) أي : واترك الهجود للصلاة يقال هجد وتهجد نام ليلا وهجد وتهجد سهر فهو من الأضداد ومنه قيل لصلاة الليل التهجد قاله في الصحاح. والضمير في به لمطلق القرآن والمراد من الآية قيام الليل لصلاة النافلة فلا يحصل التهجد إلا بصلاة نفل بعد نوم ، وكانت فريضة على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى أمّته في الابتداء بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) [المزمل : ١ ، ٢] ثم نسخ بما في آخرها ، ثم نسخ بما في الصلوات الخمس وبقي قيام الليل على الاستحباب بقوله تعالى : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) [المزمل ، ٢٠] وبقي الوجوب في حقه صلىاللهعليهوسلم بدليل قوله تعالى : (نافِلَةً لَكَ) أي : زيادة لك مختصة بك. وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «ثلاث هنّ عليّ فريضة وهنّ سنة لكم الوتر والسواك وقيام الليل» (١) والصحيح أنه نسخ في حقه أيضا ودليل النسخ رواه مسلم وقد وردت أحاديث كثيرة في قيام الليل منها ما روي «عن المغيرة بن شعبة أنه قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى انتفخت قدماه فقيل له : أتتكلف هذا وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟ قال : أفلا أكون عبدا شكورا» (٢). ومنها ما روي عن زيد بن خالد الجهني أنه قال : لأرمقنّ صلاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم الليلة فتوسدت عتبته أو فسطاطه فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم صلىّ ركعتين طويلتين ثم ركعتين طويلتين ثم ركعتين طويلتين ، ثم ركعتين دون اللتين قبلهما ، ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة (٣) ، فلهذا قيل : إنه أكثر الوتر وهو أحد قولي الشافعيّ والمرجح عنده أن أكثره إحدى عشرة ركعة ، لما رواه أبو سلمة أنه سأل عائشة رضي الله تعالى عنها عن صلاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة. ، أي : وترا يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهنّ وطولهنّ ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهنّ وطولهنّ ثم يصلي ثلاثا قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : فقلت : يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ فقال : «يا عائشة إن عيني تنام ولا ينام قلبي» (٤). ومنها ما روي عن أنس بن مالك قال : «ما كنا نشاء أن نرى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الليل مصليا إلا رأيناه وما نشاء أن نراه نائما إلا رأيناه» (٥) وفي رواية غيره قال : وكان يصوم من الشهر حتى نقول لا يفطر منه شيئا ويفطر
__________________
(١) أخرجه الحاكم في المستدرك ١ / ٣٠٠ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٨ / ٢٦٤ ، والطبراني في الأوسط ٣ / ٣١٥.
(٢) أخرجه البخاري في تفسير القرآن حديث ٤٨٣٦ ، ومسلم في القيامة حديث ٢٨١٩ ، والترمذي في الصلاة حديث ٤١٢ ، والنسائي في قيام الليل حديث ١٦٤٤ ، وابن ماجه في الإقامة حديث ١٤١٩.
(٣) أخرجه مسلم في المسافرين حديث ٧٦٥ ، وأبو داود في الصلاة حديث ١٣٦٦ ، وابن ماجه في الإقامة حديث ١٣٦٢.
(٤) أخرجه البخاري في التراويح حديث ٢٠١٣ ، ومسلم في المسافرين حديث ٧٣٨ ، وأبو داود في الصلاة حديث ١٣٤١ ، والترمذي في الصلاة حديث ٤٣٩ ، والنسائي في قيام الليل حديث ١٦٩٧.
(٥) أخرجه النسائي في قيام الليل حديث ١٦٢٧.