قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا الجنة رجل يخرج من النار حبوا فيقول الله له : اذهب فادخل الجنة قال فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول وجدتها ملأى فيقول الله له : اذهب فادخل الجنة فإنّ لك مثل الدنيا وعشر أمثالها فيقول له : أتسخر بي وأنت الملك فلقد رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ضحك حتى بدت نواجذه» (١) فكان يقال ذلك أدنى أهل الجنة منزلة. قوله : حتى بدت نواجذه أي : أنيابه وأضراسه وقيل : هي أعلى الأسنان.
وعن جابر قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يعذب ناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا حمما ثم تدركهم الرحمة قال فيخرجون فيطرحون على باب الجنة قال فيرش عليهم أهل الجنة الماء فينبتون كما ينبت الغثاء في حمالة السيل» (٢) الحمم الفحم والغثاء كل ما جاء به السيل وقرأ الكسائي (نُنَجِّي) بسكون النون الثانية وتخفيف الجيم والباقون بفتح النون الثانية وتشديد الجيم.
ولما أقام تعالى الحجة على مشركي قريش المنكرين للبعث قال تعالى عطفا على قوله ويقول الإنسان : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ) أي : الناس من المؤمنين والكفار من أيّ تال كان (آياتُنا) أي : القرآن حال كونها (بَيِّناتٍ) أي : واضحات وقيل : مرتبات الألفاظ ملخصات المعاني وقيل : ظاهرات الإعجاز (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بآيات ربهم البينة جهلا منهم ونظرا إلى ظاهر الحياة الدنيا الذي هو مبلغهم من العلم (لِلَّذِينَ آمَنُوا) أي : لأجلّهم أو مواجهة لهم إعراضا عن الاستدلال بالآيات بالإقبال على هذه الشبهة الواهية وهي المفاخرة بالمكاثرة في الدنيا من قولهم (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ) نحن بما لنا من الاتساع أم أنتم بما لكم من خشونة العيش ورثاثة الحال ولو كنتم أنتم على الحق وكنا على الباطل لكان حالكم في الدنيا أحسن من حالنا لأنّ الحكيم لا يليق به أن يوقع أولياءه المخلصين في الذل وأعداءه المعرضين عن خدمته في العز والراحة وإنما كان الأمر بالعكس فإنّ الكفار كانوا في النعمة والراحة والاستعلاء والمؤمنين كانوا في ذلك الوقت في الخوف والقلة هذا حاصل شبهتهم والقائل ذلك هو النضر بن الحارث وذووه من قريش للذين آمنوا من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم وكان فيهم قشافة وفي عيشهم خشونة وفي ثيابهم رثاثة وكان المشركون يرجلون شعورهم ويلبسون خير ثيابهم فقالوا للمؤمنين : أيّ الفريقين (خَيْرٌ مَقاماً) أي : موضع قيام أو إقامة على قراءة ابن كثير بضم الميم والباقون بفتحها ففي كلتا القراءتين يحتمل أن يكون اسم مصدر أو اسم مكان إما من قام ثلاثيا أو من أقام
تنبيه : قالوا : زيد خير من عمرو وشر من بكر ولم يقولوا : أخير منه ولا أشرّ منه لأنّ هاتين اللفظتين كثر استعمالهما فحذفت همزتاهما ولم يثبتا إلا في فعل التعجب فقالوا : أخير بزيد وأشرر بعمرو وما أخير زيدا وما أشر عمرا ، والعلة في إثباتهما في فعلي التعجب أنّ استعمال هذين اللفظين اسما أكثر من استعمالهما فعلا فحذفت الهمزة في موضع الكثرة وبقيت على أصلها في موضع القلة (وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) أي : مجمعا ومتحدثا والنديّ المجلس يقال : نديّ وناد والجمع الأندية منه (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) [العنكبوت ، ٢٩] وقال تعالى : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) [العلق ، ١٧]
__________________
(١) أخرجه البخاري في الرقاق حديث ٦٥٧١ ، ومسلم في الإيمان حديث ١٨٦ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٤٣٣٩.
(٢) أخرجه الترمذي حديث ٢٥٩٧ ، وأحمد في المسند ٣ / ٣٩١ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٣٩٤٢٥.