الولادة المعروفة فلا مقالة في امتناعها وأمّا التبني فإنّ الولد لا بدّ وأن يكون شبيها بالوالد ولا شبيه لله تعالى لأنّ اتخاذ الولد إنما يكون لأغراض إمّا من سرور أو استعانة أو ذكر جميل وكل ذلك لا يصح في حق الله تعالى.
(إِنْ) أي : ما (كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : أنّ كل معبود من الملائكة في السموات والأرض من الناس منهم العزير وعيسى (إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ) أي : ملتجئ إلى ربوبيته (عَبْداً) منقادا مطيعا ذليلا خاضعا كما يفعل العبيد ومن المفسرين كالجلال المحلي من حمله على يوم القيامة خاصة والأوّل أولى لأنه لا تخصيص في الآية.
(لَقَدْ أَحْصاهُمْ) أي : حصرهم وأحاط بهم بحيث لا يخرجون عن حوزه وعلمه وقبضته وقدرته وكلهم تحت تدبيره وقهره (وَعَدَّهُمْ عَدًّا) أي : عدّ أشخاصهم وأيامهم وأنفاسهم وأفعالهم فإنّ كل شيء عنده بمقدار لا يخفى عليه شيء من أمورهم.
(وَكُلُّهُمْ آتِيهِ) أي : كل واحد منهم يأتيه (يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) أي : وحيدا ليس معه من الدنيا شيء من مال أو نصير يمنعه.
ولما رد سبحانه وتعالى على أصناف الكفرة وبالغ في شرح أحوالهم في الدنيا والآخرة ختم السورة بذكر أحوال المؤمنين فقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) أي : سيحدث لهم في القلوب مودة من غير تعرّض منهم لأسبابها من قرابة أو صداقة أو اصطناع معروف أو غير ذلك. روى الشيخان أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا أحب الله عبدا يقول لجبريل أحببت فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في أهل السماء قد أحبّ الله فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم توضع له المحبة في الأرض» (١) وإذا أبغض الله العبد قال مالك لا أحسبه إلا قال في البغض مثل ذلك والسين في سيجعل إما لأنّ السورة مكية وكان المؤمنون حينئذ ممقوتين بين الكفرة فوعدهم الله تعالى ذلك إذا قوي الإسلام والمعنى : سيحدث لهم في القلوب مودة وإمّا أن يكون ذلك يوم القيامة يحببهم الله إلى خلقه بما يظهر من حسناتهم ، وروي عن كعب قال مكتوب في التوراة لا محبة لأحد في الأرض حتى يكون ابتداؤها من السماء من الله عزوجل ينزلها على أهل السماء ثم على أهل الأرض ومصداق ذلك في القرآن قوله : (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) وقال أبو مسلم : معناه يهب لهم ما يحبون والودّ والمحبة سواء.
ولما ذكر سبحانه وتعالى في هذه السورة التوحيد والنبوّة والحشر والردّ على فرق المبطلين بيّن تعالى أنه يسر ذلك بلسان نبيه صلىاللهعليهوسلم بقوله : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ) أي : القرآن (بِلِسانِكَ) أي : العربي أي : لو لا أنه تعالى نقل قصصهم إلى اللغة العربية لما تيسر ذلك لك (لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ) أي : المؤمنين (وَتُنْذِرَ) أي : تخوّف (بِهِ قَوْماً لُدًّا) جمع ألد أي : جدل بالباطل وهم كفار مكة.
ثم إنه تعالى ختم السورة بموعظة عظيمة بليغة فقال تعالى : (وَكَمْ) أي : كثيرا (أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) أي : أمّة من الأمم الماضية بتكذيب الرسل لأنهم إذا تأمّلوا وعلموا أنه لا بدّ من زوال الدنيا وأنه لا بدّ فيها من الموت وخافوا سوء العاقبة في الآخرة كانوا إلى الحذر من المعاصي
__________________
(١) أخرجه البخاري في بدء الخلق باب ٦ ، والأدب باب ٤١ ، والتوحيد باب ٣٣ ، ومسلم في البر حديث ١٥٧ ، والترمذي في تفسير سورة ١٩ ، باب ٧ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٦٧ ، و ٣٤١ ، ٤١٣.