أحدها : أن تكون منصوبة على الظرف أي : في سيرتها أي : طريقتها.
ثانيها : على البدل من هاء (سَنُعِيدُها) بدل اشتمال لأنّ السيرة الصفة أي : سنعيدها صفتها وشكلها.
ثالثها : على إسقاط الخافض أي : إلى سيرتها وقيل : غير ذلك. فإن قيل : لما نودي يا موسى وخص بتلك الكرامات العظيمة وعلم أنه مبعوث من عند الله تعالى إلى الخلق فلماذا خاف؟ أجيب عن ذلك بأوجه أحدها : أنّ ذلك الخوف كان من نفرة الطبع لأنه ما شاهد مثل ذلك قط وهذا معلوم بدلائل العقول ثانيها : إنما خافها لأنه عرف ما لقي آدم منها. ثالثها : أنّ مجرد قوله : (وَلا تَخَفْ) لا يدل على حصول الخوف كقوله تعالى : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) [الأحزاب ، ١] لا يدل على وجود تلك الطاعة لكن قوله : (رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً) [النمل ، ١٠] يدل عليه ولكن ذلك الخوف إنما ظهر ليظهر الفرق بينه وبين أفضل الخلق محمد صلىاللهعليهوسلم فما أظهر الرغبة في الجنة ولا النفرة عن النار.
وقوله تعالى : (وَاضْمُمْ يَدَكَ) أي : اليمنى (إِلى جَناحِكَ) أي : جنبك الأيسر تحت العضد في الإبط (تَخْرُجْ بَيْضاءَ) أي : نيرة مشرقة تضيء كشعاع الشمس تعشي البصر لا بدّ فيه من حذف والتقدير : واضمم يدك تنضم وأخرجها تخرج فحذف من الأوّل والثاني وأبقى مقابليهما ليدلا على ذلك إيجازا واختصارا وإنما احتيج إلى هذا لأنه لا يترتب على مجرد الضم الخروج و (بَيْضاءَ) حال من فاعل تخرج وقوله تعالى : (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) متعلق بتخرج وروي عن ابن عباس (إِلى جَناحِكَ) إلى صدرك والأول أولى كما قال الرازي لأنه يقال لكل ناحيتين جناحان كجناحي العسكر لطرفيه وجناحا الإنسان جانباه والأصل المستعار منه جناحا الطائر سميا بذلك لأنه يجنحهما أي : يميلهما عند الطيران وجناحا الإنسان عضداه فعضداه يشبهان جناحي الطير ، ولأنه قال : (تَخْرُجْ بَيْضاءَ) ولو كان المراد بالجناح الصدر لم يكن لقوله : (تَخْرُجْ) معنى والسوء الرداءة والقبح في كل شيء فكنى به عن البرص كما كنى عن العورة بالسوأة. والبرص أبغض شيء إلى العرب ولهم عنه نفرة عظيمة وإسماعهم لاسمه مجاجة فكان جديرا بأن يكنى عنه ولا ترى أحسن ولا أظرف ولا أخف للمفاصل من كنايات القرآن وآدابه.
يروى أنّ موسى كان شديد الأدمة فكان إذا أدخل يده اليمنى في جيبه فأدخلها في إبطه الأيسر وأخرجها فكانت تبرق مثل البرق وقيل : مثل الشمس من غير مرض ثم إذا ردّها عادت إلى لونها الأوّل من غير نور وقوله تعالى : (آيَةً أُخْرى) أي : معجزة ثابتة حال من ضمير تخرج كبيضاء.
وقوله تعالى : (لِنُرِيَكَ) متعلق بما دل عليه آية أي : دللنا بها لنريك وقوله تعالى : (مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) أي : العظمى على رسالتك متعلق بمحذوف على أنه حال من الكبرى والكبرى مفعول ثان لنريك والتقدير : لنريك الكبرى حال كونها من آياتنا أي : بعض آياتنا واختلف أيّ الآيتين أعظم في الإعجاز فقال الحسن : اليد لأنه تعالى قال : (لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) والذي عليه الأكثر أنّ العصا أعظم إذ ليس في اليد إلا تغير اللون وأمّا العصا ففيها تغير اللون وخلق الزيادة في الجسم وخلق الحياة والقدرة والأعضاء المختلفة وابتلاع الحجر والشجر ثم إعادتها عصا بعد ذلك فقد وقع التغير في كل هذه الأمور فكانت العصا أعظم وأما قوله تعالى : (لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) فقد ثبت أنه عائد إلى الكلام وأنه غير مختص باليد ، فإن قيل : لم لم يقل تعالى من آياتنا الكبر؟ أجيب : بأنّ ذلك ذكر لرؤوس الآي وقيل : فيه إضمار معناه لنريك من آياتنا الآية الكبرى وهذا التقدير يقوّي قول القائل بأنّ اليد أعظم آية.