محمد صلىاللهعليهوسلم انتهى. ويجوز أن تكون للتعظيم أو له صلىاللهعليهوسلم ومن تبعه وربما يكون هذا أولى كما جرى عليه بعض المفسرين ، والإشارة إلى من كان على بينة ، والضمير في به للقرآن وإذا كان هذا الفريق ليس له في الآخرة إلا النار فهذا الفريق ليس له في الآخرة إلا الجنة (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ) أي : بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم أو القرآن (مِنَ الْأَحْزابِ) أي : أصناف الكفار فيدخل فيهم اليهود والنصارى والمجوس (فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) يعني في الآخرة.
روى سعيد بن جبير عن أبي موسى أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يسمع بي يهوديّ ولا نصرانيّ فلا يؤمن بي إلا كان من أهل النار» (١). قال أبو موسى : فقلت في نفسي : إنّ النبي صلىاللهعليهوسلم لا يقول مثل هذا إلا عن القرآن فوجدت الله تعالى يقول : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) قال بعض العلماء : ولما دلت الآية على أنّ من يكفر به كانت النار موعده دلّ على أنّ من لا يكفر به كانت الجنة موعده وقوله تعالى : (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ) أي : في شك (مِنْهُ) أي : القرآن أو الموعد (إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) الخطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم والمراد غيره لأنه صلىاللهعليهوسلم لم يشك قط ويؤيد ذلك قوله تعالى : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) أي : لا يصدقون بما أوحينا إليك أو بأن موعد الكفار النار ، ثم وصف الله تعالى هؤلاء المنكرين الجاحدين بصفات كثيرة في معرض الذم.
الصفة الأولى : كونهم مفترين على الله كما قال تعالى : (وَمَنْ) أي : لا أحد (أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بنسبة الشريك والولد إليه ، أو أسند إليه ما لم ينزله ، أو نفى عنه ما أنزله. الصفة الثانية : أنهم يعرضون على الله تعالى في موقف الذل والهوان كما قال تعالى : (أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ) أي : يوم القيامة. فإن قيل : هم لا يختصون بهذا العرض لأنّ العرض عامّ في كل العباد كما قال تعالى : (وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا) [الكهف ، ٤٨] أجيب : بأنهم يعرضون فيفتضحون بشهادة الأشهاد عليهم كما قال تعالى : (وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ) فيحصل لهم من الخزي والنكال ما لا مزيد عليه ، وهذه هي الصفة الثالثة ، واختلف في هؤلاء الأشهاد ، فقال مجاهد : هم الملائكة الذين يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا ، وقال مقاتل : هم الناس كما يقال على رؤوس الأشهاد ، أي : على رؤوس الناس ، وقال قوم : هم الأنبياء كما قال تعالى : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) [الأعراف ، ٦]. والفائدة في اعتبار قول الأشهاد المبالغة في إظهار الفضيحة. فإن قيل : العرض على الله يقتضي أن يكون الله تعالى في حيز وهو تعالى منزه عن ذلك. أجيب : بأنهم يعرضون على الأماكن المعدّة للحساب والسؤال ، أو يكون ذلك عرضا على من يوبخ بأمر الله تعالى من الأنبياء والمؤمنين. والأشهاد جمع شاهد كصاحب وأصحاب ، أو جمع شهيد كشريف وأشراف. قال أبو علي الفارسي : وكان هذا أرجح ؛ لأنّ ما جاء من ذلك في التنزيل جاء على فعيل كقوله تعالى : (وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ) [النحل ، ٨٩]. وعن عبد الله بن عمر أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ الله تعالى يدني المؤمن يوم القيامة فيستره من الناس فيقول : أي عبدي تعرف ذنب كذا وكذا فيقول : نعم ، حتى إذا قرّره بذنوبه قال تعالى : سترتها عليك في الدنيا وقد سترتها لك اليوم ، ثم يعطى كتاب حسناته» (٢) ، وأمّا الكافر والمنافق
__________________
(١) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ١٥٣.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ١٣ / ١٨٩ ، والبغوي في شرح السنة ١٥ / ١٣٢.