ويقتسمونه بينهم ، فيصير لهذا نصيب ، ولذاك نصيب تمثيلا لاختلافهم فيه وصيرورتهم فرقا وأحزابا شتى ، ثم توعدهم بقوله تعالى : (كُلٌ) أي : من هذه الفرق وإن بالغ في التمرّد (إِلَيْنا) يوم القيامة (راجِعُونَ) فنحكم بينهم فيتسبب عن ذلك أنّا نجازيهم إقامة للعدل ، فنعطي كلا من المحق التابع لأصفيائنا والمبطل المائل إلى الشياطين أعدائنا ما يستحقه ، وذلك هو معنى قوله تعالى فارقا بين المحسن والمسيء تحقيقا للعدل وتشويقا إلى الفضل.
(فَمَنْ يَعْمَلْ) أي : منهم الآن (مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ) أي : والحال أنه (مُؤْمِنٌ) أي : يأتي بعمله على الأساس الصحيح (فَلا كُفْرانَ) أي : لا جحود (لِسَعْيِهِ) بل يشكر ويثاب عليه.
تنبيه : قوله تعالى : فلا كفران نفى الجنس ليكون أبلغ من أن يقول : فلا نكفر سعيه (وَإِنَّا لَهُ) أي : لسعيه (كاتِبُونَ) أي : مثبتون في صحيفة عمله وما أثبتناه فهو غير ضائع فلا يفقد منه شيئا قل أو جل ، ومن المعلوم أنّ قسيمه وهو من يعمل من السيئات وهو كافر ، فلا نقيم له وزنا ، ومن يعمل منها وهو مؤمن فهو تحت مشيئتنا قال البقاعيّ : ولعله حذف هذين القسمين ترغيبا في الإيمان.
ولما كان هذا غير صريح في أنّ هذا الرجوع بعد الموت بيّنه بقوله تعالى : (وَحَرامٌ) أي : ممنوع (عَلى قَرْيَةٍ) أي : أهلها (أَهْلَكْناها) أي : بالموت (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) أي : إلينا بأن يذهبوا تحت التراب باطلا من غير إحباس بل إلينا بموتهم راجعون فحبسناهم في البرزخ منعمين أو معذبين نعيما أو عذابا دون النعيم والعذاب الأكبر.
تنبيه : ما قدّرناه في الآية هو ما جرى عليه البقاعيّ والذي قدّره الزمخشري أنّ معنى أهلكناها عزمنا على إهلاكها ، أو قدّرنا إهلاكها ، ومعنى الرجوع الرجوع من الكفر إلى الإسلام والإنابة ، فتكون لا مزيدة والذي قدّره الجلال المحلي أنّ لا زائدة أي : يمتنع رجوعهم إلى الدنيا فيكون الإهلاك بالموت ، وهذا قريب مما قاله ابن عباس فإنه قال : وحرام على قرية أهلكناها أن يرجعوا بعد الهلاك ، فجعل لا زائدة قال البغويّ وقال آخرون : الحرام بمعنى الواجب ، فعلى هذا يكون لا ثابتا ومعناه واجب على أهل قرية أهلكناهم أي : حكمنا بهلاكهم أن لا تتقبل أعمالهم لأنهم لا يرجعون أي : لا يتوبون والدليل على هذا المعنى أنه تعالى قال في الآية التي قبلها : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ) أي : يتقبل عمله ، ثم ذكر هذه الآية عقبه وبين أنّ الكافر لا يتقبل عمله انتهى والذي قدّره البيضاوي قريب مما قدّره الزمخشري وكل هذه التقادير صحيحة ؛ لكن الأوّل أظهر ، وقرأ شعبة وحمزة والكسائي بكسر الحاء وسكون الراء والباقون بفتح الحاء والراء وألف بعد الراء قال البغوي : وهما لغتان مثل حل وحلال.
وقوله تعالى : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) متعلق كما قال الزمخشري بحرام وحتى غاية له ؛ لأن امتناع رجوعهم لا يزول حتى تقوم القيامة وهي حتى التي يحكى بعدها الكلام أي : فهي الابتدائية لا الجارّة ولا العاطفة والمحكي هو الجملة الشرطية ، وقرأ ابن عامر بتشديد التاء بعد الفاء والباقون بالتخفيف ويأجوج ومأجوج اسمان أعجميان اسم لقبيلتين من جنس الإنس ويقدر قبله مضاف أي : سدّهما ، وذلك قرب الساعة يقال الناس عشرة أجزاء ، تسعة منها يأجوج ومأجوج ، وقرأهما عاصم بهمزة ساكنة والباقون بالألف ، ثم عبّر عن كثرتهم التي لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى بقوله تعالى : (وَهُمْ) أي : والحال أنهم (مِنْ كُلِّ حَدَبٍ) أي : نشز عال من الأرض (يَنْسِلُونَ) أي : يسرعون من النسلان ، وهو تقارب الخطا مع السرعة كمشي الذئب ، وفي