كُلَّما (٢٢) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٢٣) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (٢٤) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٥))
(يَدْعُوا) أي : يعبد حقيقة أو مجازا (مِنْ دُونِ اللهِ) أي : غير من الصنم (ما لا يَضُرُّهُ) إن لم يعبده (وَما لا يَنْفَعُهُ) إن عبده (ذلِكَ) أي : الدعاء (هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) عن الحق والرشاد استعير الضلال البعيد من ضلال من أبعد في التيه ضالا فطالت وبعدت مسافة ضلاله.
ولما كان الإحسان جالبا للإنسان لأن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها بيّن أن ما قيل في جلب النفع إنما هو على سبيل الفرض ، فقال تعالى : (يَدْعُوا لَمَنْ) أي : من (ضَرُّهُ) بكونه معبودا ، لأنه يوجب القتل والخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة (أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) الذي يتوقع منه بعبادته ، وهو الشفاعة والتوسل بها إلى الله تعالى.
تنبيه : علم مما تقرّر أنّ اللام في لمن مزيدة كما قال الجلال المحلي ، (فإن قيل) : الضرر والنفع منفيان عن الأصنام مثبتان لها في الآيتين وهذا متناقض.
(أجيب) بأنّ المعنى إذا حصل ذهب هذا الوهم وذلك أنّ الله تعالى سفه الكافر بأنه يعبد جمادا لا يملك ضرّا ولا نفعا فيه بجهله وضلاله أنه ينتفع به حين يستشفع به ثم يوم القيامة يقوم هذا الكافر بدعاء وصراخ حين يرى استضراره بالأصنام ودخوله الرؤساء وهم الذين كانوا يفزعون إليهم بدليل قوله تعالى : (لَبِئْسَ الْمَوْلى) أي : الناصر هو (وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) أي : الصاحب هو قال الرازيّ وهذا الوصف بالرؤساء أليق لأنّ ذلك لا يكاد يستعمل في الأوثان فبين تعالى أنهم يعدلون عن عبادة الله إلى عبادة الأصنام وإلى طاعة الرؤساء.
ولما بين سبحانه وتعالى حال الكفار عقبه بحال المؤمنين بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ) أي : الجامع لجميع صفات الكمال المنزه عن جميع شوائب النقص (يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ورسله (وَعَمِلُوا) تصديقا لإيمانهم (الصَّالِحاتِ) من الفروض والنوافل الخالصة الشاهدة بثباتهم في الإيمان (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) أي : في أيّ مكان من أرضها (الْأَنْهارُ.)
ولما بين سبحانه وتعالى حال الفريقين قال تعالى (إِنَّ اللهَ) أي : المحيط بكل شيء قدرة وعلما (يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) من إكرام من يطيعه وإهانة من بعصيه لا دافع له ولا مانع وقوله تعالى : (مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) فيه اختصار والمعنى أنّ الله ناصر رسوله في الدنيا والآخر فمن كان يظنّ خلاف ذلك ويتوقعه من غيظه فالضمير راجع إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فإن قيل : لم يجر له ذكر في هذه الآية (أُجِيبُ) بأنّ فيها ما يدل عليه وهو ذكر الإيمان في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا) والإيمان لا يتم إلا بالله ورسوله ، وقيل : الضمير راجع إلى من في أوّل الآية لأنه المذكور ومن حق الكناية أن ترجع إلى المذكور إذا أمكن ذلك ، وعلى هذا المراد بالنصر الرزق. قال أبو عبيدة : وقف علينا سائل من بني بكر فقال : من ينصرني نصره الله؟ أي : من يعطني أعطاه الله فكأنه قال من كان يظنّ أن لن يرزقه الله في الدنيا والآخرة (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ) أي : بحبل (إِلَى السَّماءِ) أي : سقف بيته يشدّ بينه وبين عنقه (ثُمَّ لْيَقْطَعْ) أي : ليختنق به بأن يقطع نفسه من