هدي التمتع ومن كل هدي وجب عليه إلا من فدية الأذى وجزاء الصيد والنذر ، وعن أصحاب أبي حنيفة أنه يأكل من كل من دم التمتع والقرآن ولا يأكل من واجب سواهما وقوله تعالى : (وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ) أي : الذي أصابه بؤس أي : شدّة (الْفَقِيرَ) أي : المحتاج أمر إيجاب وقد قيل به في الأوّل (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) أي : يزيلوا أوساخهم وشعثهم كقص الشارب والأظفار ونتف الإبط والاستحداد عند الإحلال (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) من الهدايا والضحايا (وَلْيَطَّوَّفُوا) طواف الإفاضة الذي به تمام التحلل (بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) أي القديم لأنه أوّل بيت وضع للناس وقال ابن عباس سمي عتيقا لأنّ الله تعالى أعتقه من تسلط الجبابرة فكم من جبار سار إليه ليهدمه فمنعه الله تعالى منه فإن قيل : قد تسلط عليه الحجاج فلم يمنع أجيب بأنه ما قصد التسلط على البيت وإنما تحصن به ابن الزبير فاحتال لإخراجه ثم بناه ولما قصد التسلط عليه أبرهة فعل به ما فعل ، وقيل لأنّ الله تعالى أعتقه من الغرق فإنه رفع في أيام الطوفان ، وقال مجاهد لأنه لم يملك قط وقيل بيت كريم أي : العتيق بمعنى الكريم ، من قولهم عتاق الخيل والطير ، والطواف ينقسم إلى ثلاثة هذا ويدخل وقته بعد الوقوف وهذا لا يجبر تركه بدم لأنه ركن الثاني : طواف الوداع ووقته عند إرادة السفر من مكة وهو واجب يجبر تركه بدم ، الثالث : طواف القدوم وهو مستحب للحاج والحلال إذا قدم مكة روت عائشة رضي الله تعالى عنها «أنّ أوّل شيء بدأ به حين قدم النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه توضأ ثم طاف ثم لم تكن عمرة ثم حج» (١) أبو بكر وعمر مثله وقرأ ابن ذكران وليوفوا وليطوفوا بكسر اللام فيهما والباقون بإسكانها وفتح أبو بكر الواو ومن وليوفوا وشدّد الفاء وقوله تعالى : (ذلِكَ) خبر مبتدأ مقدر أي : الأمر أو الشأن ذلك المذكور كما تقدم الكاتب جملة من كتابه في بعض المعاني ثم إذا أراد الخوض في معنى آخر قال هذا فقد كان كذا (وَمَنْ يُعَظِّمْ) أي بغاية جهده (حُرُماتِ اللهِ) ذي الجلال والإكرام كلها وهي ما لا يحلّ انتهاكه من مناسك الحج وغيرها وقيل : الحرمات هنا مناسك الحج وتعظيمها إقامتها وإتمامها ، وعن زيد بن أسلم الحرمات خمس الكعبة الحرام ، والمسجد الحرام ، والبلد الحرام ، والشهر الحرام ، والمحرم حتى يحلّ (فَهُوَ) أي : التعظيم الحامل له على امتثال الأمر فيها على وجه واجتناب المنهي عنه كالذبح بذكر اسم غير الله والطواف عريانا (خَيْرٌ) كائن (لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) أي : الذي أسدى إليه كل ما هو فيه من النعم في الآخرة ومن انتهكها فهو شر عليه عند ربه ثم إنه تعالى بين أحكام الحج بقوله تعالى : (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ) أي : أكلها بعد الذبح وهي الإبل والبقر والغنم (إِلَّا ما يُتْلى) أي : على سبيل التحذير مستمرّا (عَلَيْكُمْ) تحريمه في قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) [المائدة : ٣] الآية فالاستثناء منقطع ويجوز أن يكون متصلا والتحريم لما عرض من الموت ونحوه فحافظوا على حدوده وإياكم أن تحرّموا مما أحلّ شيئا كتحريم عبدة الأوثان البحيرة والسائبة وغير ذلك وأن تحلوا مما حرم الله شيئا كإحلالهم أكل الموقوذة والميتة وغير ذلك.
ولما فهم من ذلك حلّ السوائب وما معها وتحريم المذبوح للأنصاب وكان سبب ذلك كله الأوثان تسبب عنه قوله تعالى (فَاجْتَنِبُوا) أي : بغاية الجهد اقتداء بأبيكم إبراهيم الذي تقدّم الإيصاء له بمثل ذلك عند جعل البيت له مباءة (الرِّجْسَ) أي : القذر الذي من حقه أنّ يجتنب من
__________________
(١) أخرجه البخاري في الحج باب ٦٣ ، ٧٨.