شرائها فقد كانوا يغالون في ثلاث ، ويكرهون المكاس فيهنّ الهدي والأضحية والرقبة ، وروى ابن عمر عن أبيه رضي الله عنهما «أنه أهدى نجيبة طلبت منه بثلثمائة دينار فسأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة من ذهب» وكان ابن عمر يسوق البدن مجللة بالقباطي فيتصدّق بلحومها وجلالها ويعتقد أن طاعة الله في التقرّب بها وإهدائها إلى بيته المعظم أمر عظيم لا بدّ أن يقام به ويسارع فيه (فَإِنَّها) أي : تعظيمها ناشىء (مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) فمن للابتداء فإن جعلت تبعيضية فلا بدّ من حذف تقديره : فإنّ تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب فحذفت هذه المضافات ولا يستقيم المعنى إلا بتقديرها لأنه لا بدّ من راجع من الجزاء إلى من ليرتبط به وإنما ذكرت القلوب لأنها مراكز التقوى التي إذا ثبتت فيها وتمكنت ظهر أثرها في سائر الأعضاء وسميت تلك البدن شعائر لإشعارها بما يعرف به أنهار هدي كطعن حديدة بسنامها قال البقاعي : ولعله مأخوذ من الشعر لأنها إذا جرحت قطع شيء من شعرها أو أزيل عن محل الجرح فيكون من الإزالة (لَكُمْ فِيها) أي : البدن (مَنافِعُ) كركوبها والحمل عليها بما لا يضرها وعن إبراهيم : من احتاج إلى ظهرها ركب ومن احتاج إلى لبنها شرب وقال أصحاب الرأي : لا يركبها إلا إذا اضطرّ إليها (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وهو وقت نحرها (ثُمَّ مَحِلُّها) أي : مكان حلّ نحرها (إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) أي : عنده والمراد الحرم جميعه وقيل المراد بالشعائر المناسك ومشاهد الحج وبالمنافع الأجر والثواب في قضاء المناسك إلى انقضاء آجالها وبحملها إلى محل الناس من إحرامهم إلى البيت يطوفون به طواف الزيارة (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ) أي : جماعة مؤمنة سلفت قبلكم (جَعَلْنا مَنْسَكاً) أي : متعبدا وقربانا يتقرّبون به إلى الله تعالى ، وقرأ حمزة والكسائي منسكا هنا وفي آخر السورة بكسر السين في الموضعين فيكون بمعنى الموضع والباقون بفتحها مصدر بمعنى النسك (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) أي : الملك لا على وحده على ذبائحهم وقرابتهم لأنه الرازق لهم وحده فيقولون عند النحر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر اللهمّ منك وإليك ثم علل الذكر بالنعمة تنبيها على التفكر فيها فقال تعالى : (عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) فوجب شكره لذلك عليهم ، وفيه تنبيه على أن القربان يجب أن يكون من الأنعام (فَإِلهُكُمْ) أي : الذي شرع هذه المناسك كلها (إِلهٌ واحِدٌ) وإن اختلفت فروع شرائعه ، ونسخ بعضها بعضا ، وإذا كان واحدا وجب اختصاصه بالعبادة فلذا قال تعالى : (فَلَهُ) وحده (أَسْلِمُوا) أي : انقادوا بجميع ظواهركم وبواطنكم في كل ما أمر به أو نهى عنه (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) أي : المطيعين المتواضعين من الخبث ، وهو المطمئن من الأرض وقيل : هم الذين لا يظلمون ، وإذا ظلموا لم ينتصروا.
ثم بين علاماتهم بقوله تعالى : (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ) أي : الذي له الجلال والجمال (وَجِلَتْ) أي : خافت خوفا مزعجا (قُلُوبُهُمْ) فيظهر عليها الخشوع والتواضع لله تعالى (وَالصَّابِرِينَ) الذين صار الصبر عادتهم (عَلى ما أَصابَهُمْ) من الكلف والمصائب ولما كان ذلك قد يشغل عن الصلاة قال تعالى (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ) في أوقاتها والمحافظة عليها ، وإن حصل لهم من المشاق بأفعال الحج وغيره ما عسى أن يحصل ، ولذلك عبر بالوصف دون الفعل إشارة إلى أنه لا يقيمها على الوجه المشروع مع تلك المشاق والشواغل إلا راسخ في حبها فهم لما تمكن حبها في قلوبهم والخوف من الغفلة عنها كأنهم دائما في صلاة (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) في وجوه الخير من الهدايا التي يغالون في أثمانها وغير ذلك إحسانا إلى خلق الله تعالى.