يريد أن الله تعالى أثنى عليهم قبل أن يحدثوا من الخير ما أحدثوا.
تنبيه : في ذلك دليل على صحة خلافة الأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين إذ لم يستجمع ذلك غيرهم من المهاجرين وإذا ثبت ذلك وجب أن يكونوا على الحق ولا يجوز حمل الآية على أمير المؤمنين عليّ وحده لأنّ الآية دالة على الجمع ، وعن الحسن هم أمّة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : الذين منصوب بدل من قوله تعالى من ينصره (وَلِلَّهِ) أي : الملك الأعلى (عاقِبَةُ الْأُمُورِ) أي : آخر أمور الخلق ومصيرها إليه في الآخرة فلا يكون لأحد فيها أمر حتى أنه لا ينطق أحد إلا بإذن منه.
ولما بين سبحانه وتعالى فيما تقدّم إخراج الكفار للمؤمنين من ديارهم بغير حق وأذن في مقاتلتهم وضمن لرسوله صلىاللهعليهوسلم النصرة وبين أنّ لله عاقبة الأمور أردفه بما يرجي مجرى التسلية للنبيّ صلىاللهعليهوسلم في الصبر على ما هم عليه من أذيته وأذية المؤمنين بالتكذيب وغيره فقال تعالى : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) أي : قبل قومك (قَوْمُ نُوحٍ) وتأنيث قوم باعتبار المعنى وتحقير المكذبين في قدرته وإن كانوا من أشدّ الناس (وَعادٌ) أي : ذوو الأبدان الشداد قوم هود (وَثَمُودُ) ولو الأبنية الطوال في السهول والجبال قوم صالح (وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ) المتجبرون المتكبرون (وَقَوْمُ لُوطٍ) الأنجاس بما لم يسبقهم إليه أحد من الناس (وَأَصْحابُ مَدْيَنَ) أرباب الأموال المجموعة من خزائن الضلال فأنت يا أشرف الخلق لست بأوحديّ في التكذيب ، فإنّ هؤلاء قد كذبوا رسلهم قبل قومك.
ولما كان موسى قد أتى من الآيات المرئية ثم المسموعة بما لم يأت بمثله أحدهن تقدّمه فكان تكذيبه في غاية البعد غير سبحانه وتعالى الأسلوب تنبيها على ذلك وعلى أنّ الذين أطبقوا على تكذيبه القبط وأمّا قومه فما كذبه منهم إلا أناس يسير فقال تعالى : (وَكُذِّبَ مُوسى) وفي ذلك أيضا تعظيم للتأسية وتفخيم للتسلية (فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ) أي : أمهلتهم بتأخير العقاب عنهم إلى الوقت الذي ضربته لهم وعبر عن طول الإملاء بأداة التراخي لزيادة التأسية فقال تعالى (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) أخذ عزيز مقتدر.
ثم نبه سبحانه وتعالى بالاستفهام في قوله تعالى : (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أي : إنكاري لأفعالهم على أنه كان في أخذهم عبر وعجائب وأهوال وغرائب حيث أيد لهم بالنعمة محنة ، وبالحياة هلاكا ، وبالعمارة خرابا ، والاستفهام للتقرير أي : وهو واقع موقعه فليحذر هؤلاء الذين أتبتهم بأعذم ما أتى به رسول قومه مثل ذلك فإن لم يؤمنوا بك فعلت بهم كما فعلت بهؤلاء وإنكانوا أمكن الناس فلا يحزنك أمرهم.
تنبيه : أثبت ورش الياء بعد الراء من نكير في الوصل وحذفها الباقون وقفا وصلا (فَكَأَيِّنْ) أي : وكن (مِنْ قَرْيَةٍ) وقيل : معنى كأين ربّ ، وقوله تعالى : (أَهْلَكْناها) قرأه أبو عمرو بعد الكاف بتاء فوقية مضمومة والباقون بعد الكاف بنون وبعدها ألف والمراد أهلها بدليل قوله تعالى (وَهِيَ) أي والحال أنها (ظالِمَةٌ) أي أهلها بكفرهم ويحتمل أن يكون المراد أهلاك نفس القرية فيدخل تحت هلاكها هلاك من فيها لأنّ العذاب النازل إذا بلغ أن يهلك القرية فتصير منهدمة جعل هالكا لمن فيها وإن كان الأوّل أقرب (فَهِيَ) أي : فتسبب عن إهلاكها أنها (خاوِيَةٌ) أي : منهدمة ساقطة أي : جدرانها (عَلى عُرُوشِها) أي : سقوفها إذ كل مرتفع أظلك من سقف بيت أو خيمة أو ظله أو كرم فهو عرش والخاوي الساقط من خوى إذا سقط أو الخالي من خوى المنزل إذا خلا من أهله وخوى بطن الحامل.