بِالْعَذابِ) الذي توعدتهم به تكذيبا واستهزاء (وَ) الحال أنه (لَنْ يُخْلِفَ اللهُ) أي : الذي لا كفء له (وَعْدَهُ) لامتناع الخلف فيه وفي خبره سبحانه وتعالى فيصيبهم ما وعدهم به ، ولو من بعد حين لكنه تعالى حليم لا يعجل بالعقوبة ، وقد أنجزه يوم بدر (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ) أي : المحسن إليك بتأخير العذاب عنهم إكراما لك من أيام الآخرة بالعذاب (كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) في الدنيا وطول أيامه حقيقة أو من حيث إنّ أيام الشدائد مستطالة ، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء على الغيبة والباقون بالتاء على الخطاب.
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها) أي : أمهلتها كما أمهلتكم (وَهِيَ ظالِمَةٌ) كظلمكم بالاستعجال وغيره (ثُمَّ أَخَذْتُها) أي : بالعذاب والمراد أهلها (وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) أي : المرجع فينقطع كل حكم دون حكمي ففيه وعيد وتهديد.
فإن قيل : لم قال : (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) [الحج ، ٤٥] بالفاء ، وقال هنا بالواو؟ أجيب : بأنّ الأولى وقعت بدلا عن قوله تعالى : (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ ،) وأما هذه فحكمها حكم ما تقدّم من الجملتين المعطوفتين بالواو أعني قوله تعالى : (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ،) ولما كان الاستعجال لا يطلب من الرسول وإنما يطلب من المرسل ، أمره الله تعالى بأن يديم لهم التخويف والإنذار بقوله تعالى : (قُلْ) أي : لهم ولا يصدّنك عن دعائهم ما أخبرناك به من عملهم (يا أَيُّهَا النَّاسُ) أي : جميعا من قومك وغيرهم (إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي : بين الإنذار والاقتصار على الإنذار مع عموم الخطاب ، وذكر الفريقين لأنّ صدر الكلام وسياقه للمشركين ، وإنما ذكر المؤمنين وثوابهم بقوله :
(فَالَّذِينَ آمَنُوا) أي : أقرّوا بالإيمان (وَعَمِلُوا) أي : تصديقا لدعواهم تلك (الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) أي : لما فرط منهم (وَرِزْقٌ) أي : في الدنيا بالغنائم وغيرها ، وفي الآخرة بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (كَرِيمٌ) أي : لا خسة فيه ولا دناءة بانقطاع ولا غيره زيادة في غيظهم.
ولما كان في سياق الإنذار قال معبرا بالماضي زيادة في التخويف : (وَالَّذِينَ سَعَوْا) أي : أوقعوا السعي ولو مرّة واحدة (فِي آياتِنا) أي : القرآن بإبطالها (مُعاجِزِينَ) من اتبع النبيّ صلىاللهعليهوسلم أي : ينسبونهم إلى العجز ويثبطونهم عن الإيمان أو مقدّرين عجزنا عنهم ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بتشديد الجيم بعد العين على أنها حال مقدّرة والباقون بألف بعد العين وتخفيف الجيم أي : مسابقين مشاقين للساعين فيها بالتثبيط (أُولئِكَ) البعداء البغضاء (أَصْحابُ الْجَحِيمِ) أي : النار استحقاقا بما سعوا فيسكنهم فيها ليعلموا أنهم هم العاجزون.
ولما لاح من ذلك أنّ الشيطان ألقى شبها يفاخرون فيها بجدالهم في دين الله الذي أمر رسوله محمدا صلىاللهعليهوسلم بإظهاره وتقريره وإشهاره عطف عليه تسلية له صلىاللهعليهوسلم قوله تعالى :
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤) وَلا يَزالُ