إبراهيم عليه الصلاة والسّلام ، وأنّ لكل نبيّ دعوة مستجابة ، ودعوة إبراهيم : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) [البقرة ، ١٢٨] ، فاستجاب الله تعالى له فجعلها محمدا صلىاللهعليهوسلم وأمّته ، والثاني : أنه يعود على الله تعالى في قوله تعالى : (هُوَ اجْتَباكُمْ ،) وروى عطاء عن ابن عباس أنه قال إن الله تعالى (سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) أي : في كل الكتب المنزلة التي نزلت قبل إنزال هذا لقرآن (وَفِي هذا) أي : وسماكم في هذا القرآن الذي أنزل عليكم من بعد إنزال تلك الكتب ، وهذا القول كما قال الرازي : أقرب لأنه تعالى قال : (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ) أي : يوم القيامة أنه بلغكم (وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) أي : أنّ رسلهم بلغتهم ، فبيّن أنه تعالى سمّاهم بذلك لهذا الغرض ، وهذا لا يليق إلا بالله تعالى ، وإنما كانوا شهداء على الناس لسائر الأنبياء ؛ لأنهم لم يفرقوا بين أحد منهم وعلموا أنّ أخبارهم من كتابهم على لسان نبيهم محمد صلىاللهعليهوسلم ، فلذلك صحت شهادتهم وقبلها الحكم العدل وعن كعب أعطيت هذا الأمة ثلاثا لم يعطهن إلا الأنبياء : جعلهم شهداء على الناس وما جعل عليهم في الدين من حرج ، وقال تعالى : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر ، ٦٠] ، وعن أبي حاتم عن ابن زيد أنه قال : لم يذكر الله بالإيمان والإسلام غير هذه الأمّة ذكرها بهما وكرّرهما جميعا ، ولم يسمع بأمة ذكرت بالإسلام والإيمان غيرها وعن مكحول أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «تسمى الله عزوجل باسمين سمى بهما أمّتي ؛ هو السّلام وسمى أمتي المسلمين ، وهو المؤمن وسمى أمتي المؤمنين» (١).
تنبيه : في الآية دليل على أنّ شهادة غير المسلم ليست مقبولة ، ولما ندبهم تعالى ليكونوا خير الأمم تسببب عن ذلك قوله تعالى : (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) التي هي أركان قلوبكم وصلة ما بينكم وبين ربكم أي : داوموا عليها (وَآتُوا الزَّكاةَ) التي هي طهرة أبدانكم ، وصلة بينكم وبين إخوانكم (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ) أي : المحيط بجميع صفات الكمال في جميع ما أمركم به من المناسك التي تقدمت وغيرها ، ثم علل تعالى أهليته بقوله تعالى : (هُوَ) أي : وحده (مَوْلاكُمْ) أي : المتولي لجميع أموركم فهو ينصركم على كل من يعاديكم بحيث إنّ تتكمنوا من إظهار هذا الدين من مناسك الحج وغيرها ، ثم علل الأمر بالاعتصام وتوحده بالولاية بقوله تعالى : (فَنِعْمَ الْمَوْلى) أي : هو (وَنِعْمَ النَّصِيرُ) أي : الناصر لكم لأنه تعالى إذا تولى أحدا كفاه كل ما أهمه وإذا نصر أحد أعلاه عن كل من خاصمه «ولا يزال العبد يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته» (٢) الحديث إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، وهذا نتيجة التقوى ، وما قبله من أفعال الطاعة دليلها فقد انطبق آخر السورة على أوّلها ورد مقطعها على مطلعها ، وقول البيضاوي تبعا للزمخشري عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «من قرأ سورة الحج أعطي من الأجر كحجة حجها وعمرة اعتمرها بعدد من حج واعتمر فيما مضى وفيما بقي» (٣) حديث موضوع.
__________________
(١) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٤ / ٣٧٣ ، والسيوطي في الحاوي للفتاوى ٢ / ٢١٩.
(٢) أخرجه البخاري في الرقاق باب ٣٨ ، وأحمد في المسند ٦ / ٢٥٦.
(٣) ذكره الزمخشري في الكشاف ٣ / ١٧٦.