(عَنِ اللَّغْوِ) قال ابن عباس : عن الشرك (مُعْرِضُونَ) أي : تاركون ، وقال الحسن : عن المعاصي ، وقال الزجاج : هو كل باطل ولهو وما لا يحمد من القول والفعل ، وقيل : هو كل ما لا يعني الشخص من قول أو فعل وهو ما يستحق أن يسقط ويلغى ، فمدحهم الله تعالى بأنهم معرضون عن هذا اللغو والإعراض عنه هو بأن لا يفعله ولا يرضى به ولا يخالط من يأتيه كما قال تعالى : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) [الفرقان ، ٧٢] أي : إذا سمعوا الكلام القبيح أكرموا أنفسهم عن الدخول فيه.
الصفة الرابعة المذكورة في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) أي : مؤدون.
تنبيه : الزكاة اسم مشترك بين عين ومعنى فالعين هو القدر الذي يخرجه المزكي من النصاب إلى المستحق والمعنى فعل المزكي الذي هو التزكية ، وهو المراد هنا ؛ لأنه ما من مصدر إلا ويعبر عن معناه بالفعل ، ويقال لمحدثه : فاعل ، تقول للضارب : فاعل الضرب ، وللقاتل : فاعل القتل ، وللمزكي : فاعل التزكية ، ويجوز أنّ يراد بالزكاة العين ويقدر مضاف محذوف وهو الأداء ، وقيل : الزكاة هنا هي العمل الصالح ؛ لأنّ هذه السورة مكية وإنما فرضت الزكاة بالمدينة سنة اثنتين من الهجرة قال البقاعي : والظاهر أنّ التي فرضت بالمدينة هي ذات النصب ، وأنّ أصل الزكاة كان واجبا بمكة كما قال تعالى في سورة الأنعام : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) [الأنعام ، ١٤١] انتهى.
الصفة الخامسة المذكورة في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ) في الجماع ومقدّماته (حافِظُونَ) أي : دائما لا يتبعونها شهوتها ، والفرج اسم لسوأة الرجل والمرأة ، وحفظه التعفف عن الحرام ، ثم استثنى من ذلك قوله تعالى : (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ) اللاتي استحقوا أبضاعهنّ بعقد النكاح ، ولعلوّ الذكر عبر بعلى ونظيره كان زياد على البصرة أي : واليا عليها ، ومنه قولهم : فلانة تحت فلان ، ومن ثم سميت المرأة فراشا ، وقيل : على بمعنى من ، وجرى على ذلك البغوي (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) رقابه من الإماء. فإن قيل : هلا قال تعالى : أو من ملكت؟ أجيب : بأنه إنما عبر بما لقرب الإماء مما لا يعقل لنقصهن عن الحرائر الناقصات عن الذكر ولأنه اجتمع فيها وصفان : أحدهما : الأنوثة وهي مظنة نقصان العقل والأخرى : كونها بحيث تباع وتشترى كسائر السلع ، قال البغوي : والآية في الرجال خاصة ؛ لأنّ المرأة لا يجوز لها أنّ تستمتع بفرج مملوكها (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) على ذلك إذا كان على وجه أذن فيه الشرع دون الإتيان في غير المأتي ، وفي حال الحيض أو النفاس أو نحو ذلك كوطء الأمة قبل الاستبراء ، فإنه حرام ومن فعله فإنه ملوم.
(فَمَنِ ابْتَغى) أي : طلب متعديا (وَراءَ ذلِكَ) العظيم المنفعة الذي وقع استثناؤه بزنا أو لواط أو استمناء بيد أو بهمية أو غيرها (فَأُولئِكَ) المبعدون من الفلاح (هُمُ العادُونَ) أي : المبالغون في تعدّي الحدود ، عن سعيد بن جبير قال : عذب الله تعالى أمّة كانوا يعبثون بمذاكيرهم ، أي : في أيديهم ، وقيل : يحشرون وأيديهم حبالى.
الصفة السادسة : المذكورة في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ) أي : في الفروج وغيرها سواء كانت بينهم وبين الله كالصلاة والصيام ، أو بينهم وبين الخلق كالودائع والبضائع ، أو في المعاني الباطنة كالإخلاص والصدق (وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) أي : حافظون بالقيام والرعاية والإصلاح ، والعهد ما عقده الشخص على نفسه فيما يقربه إلى ربه ، ويقع أيضا على ما أمر الله تعالى به كقوله تعالى : (قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا) [آل عمران ، ١٨٣].