مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) [آل عمران ، ٣٧] ، ولم تلتقم ثديا قط.
تنبيه : قال بعض المفسرين : ولعل في ذلك إشارة إلى أنه تكلمت به آية للقدرة على إيجاد الإنسان بكل اعتبار من غير ذكر ولا أنثى ، وهو آدم ، ومن ذكر بلا أنثى وهي حوّاء عليهاالسّلام ، ومن أنثى بلا ذكر وهو عيسى ، ومن الزوجين وهو بقية الناس (وَآوَيْناهُما) أي : بعظمتنا (إِلى رَبْوَةٍ) أي : مكان عال من الأرض.
تنبيه : قد اختلف في هذه الربوة ، فقال عطاء عن ابن عباس : هي بيت المقدس ، وهو قول قتادة وكعب ، قال كعب : هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا ، وقال عبد الله بن سلام : هي دمشق ، وقال أبو هريرة : هي الرملة ، وقال السدي : هي أرض فلسطين ، وقال ابن زيد : هي مصر ، وقرأ ابن عامر وعاصم بفتح الراء ، والباقون بضم الراء (ذاتِ قَرارٍ) أي : منبسطة مستوية واسعة يستقر عليها ساكنوها (وَمَعِينٍ) أي : ماء جار ظاهر تراه العيون.
تنبيه : قد اختلف في زيادة ميم معين وأصالتها فوجه من جعلها مفعولا أنه مدرك بالعين لظهوره من عانه إذا أدركه بعينه نحو ركبه إذا ضربه بركبته ، ووجه من جعله فعيلا أنه نفاع لظهوره وجريه من الماعون وهو المنفعة قيل : سبب الإيواء أنها مرت بابنها إلى الربوة ، وبقيت بها اثنتي عشرة سنة ، ثم رجعت إلى أهلها بعدما مات ملكهم وههنا آخر القصص.
وقد اختلف في المخاطب بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) على وجوه ؛ أحدها : أنه محمد صلىاللهعليهوسلم وحده على مذهب العرب في مخاطبة الواحد بلفظ الجماعة ، ثانيها : أنه عيسى ؛ لأنه روي أن عيسى كان يأكل من غزل أمه ، ثالثها : أنه كل رسول خوطب بذلك ، ووصي به لأنه تعالى في الأزل متكلم آمرناه ، ولا يشترط في الأمر وجود المأمورين بل الخطاب أزلا على تقدير وجود المخاطبين ، فقول البيضاوي : لا على أنهم خوطبوا بذلك دفعة لأنهم أرسلوا في أزمنة مختلفة بل على معنى أن كلا منهم خوطب به في زمانه ، تبع فيه «الكشاف» ، فإن المعتزلة أنكروا قدم الكلام فحملوا الآية على خلاف ظاهرها ، وأنت خبير بأنّ عدم اشتراط ما ذكر إنما هو في التعلق المعنوي لا التنجيزي الذي الكلام فيه ، فإنه مشروط فيه ذلك ، وإنما خاطب جميع الرسل بذلك ليعتقد السامع أن أمرا خوطب به جميع الرسل ووصوا به حقيق أن يؤخذ به ويعمل عليه ، وهذا كما قال الرازي أقرب ؛ لأنه روي «عن أم عبد الله أخت شداد بن أوس أنها بعثت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقدح من لبن في شدّة الحر عند فطره وهو صائم ، فرد صلىاللهعليهوسلم إليها وقال : من أين لك هذا؟ فقالت : من شاة لي ، ثم رده صلىاللهعليهوسلم وقال : من أين هذه الشاة؟ فقالت : اشتريتها من مالي ، فأخذه ثم إنها جاءته فقالت : يا رسول الله لم رددته؟ فقال صلىاللهعليهوسلم بذلك أمرت الرسل أن لا تأكل إلا طيبا ، ولا تعمل إلا صالحا» (١) ، والمراد بالطيب الحلال ، وقيل : طيبات الرزق الحلال الصافي القوام ، فالحلال هو الذي لا يعصى الله تعالى فيه ، والصافي هو الذي لا ينسى الله فيه ، والقوام هو الذي يمسك النفس ويحفظ العقل ، وقيل : المراد بالطيب المستلذ أي : ما تستلذه النفس من المأكل والمشرب والفواكه ، ويشهد له مجيئه على عقب قوله تعالى : (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ)
__________________
(١) أخرجه الحاكم في المستدرك ٤ / ١٢٥ ، ١٢٦ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٩٢٥٠ ، ١٦٩٩٠ ، والبخاري في التاريخ الكبير ٦ / ١٣٣ ، ١٣٩ ، ٣٣٩.