أحدهما : ما ذكره بقوله تعالى : (قالُوا) أي : منكرين للبعث متعجبين من أمره (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا) أي : بالبلاء بعد الموت (تُراباً وَعِظاماً) نخرة ، ثم أكدوا الإنكار بقولهم : (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) أي : لمحشورون بعد ذلك قالوا ذلك استبعادا ولم يتأملوا أنهم قبل ذلك أيضا كانوا ترابا فخلقوا.
ثانيهما : ما ذكره بقوله تعالى : إنهم قالوا : (لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا) أي : البعث بعد الموت (مِنْ قَبْلُ) كأنهم قالوا : إن هذا الوعد كما وقع منه صلىاللهعليهوسلم فقد وقع قديما من سائر الأنبياء ولم يوجد مع طول العهد ، وظنوا أن الإعادة تكون في دار الدنيا ، ثم قالوا : (إِنْ) أي : ما (هذا إِلَّا أَساطِيرُ) أي : أكاذيب (الْأَوَّلِينَ) كالأضاحيك والأعاجيب جمع أسطورة بالضم ، وقيل : جمع أسطار جمع سطر ؛ قال رؤبة (١) :
إني وأسطار سطرن سطرا
وهو ما كتبه الأولون مما لا حقيقة له.
ولما أنكروا البعث هذا الإنكار المؤكد ونفوه هذا النفي المحتم أمره الله تعالى أن يقررهم بثلاثة أشياءهم بها مقرون ، ولها عارفون يلزمهم من تسليمها الإقرار بالبعث قطعا :
أحدها : قوله تعالى : (قُلْ) أي : مجيبا لإنكارهم البعث ملزما لهم (لِمَنِ الْأَرْضُ) أي : على سعتها وكثرة عجائبها (وَمَنْ فِيها) على كثرتهم واختلافهم (إِنْ كُنْتُمْ) أي : مما هو كالجبلة لكم (تَعْلَمُونَ) أي : أهلا للعلم وفيه تنبيه على أنهم أنكروا شيئا لا ينكره عاقل.
ولما كانوا مقرين بذلك أخبر تعالى عن جوابهم قبل جوابهم ليكون من دلائل النبوة وإعلام الرسالة بقوله تعالى استئنافا : (سَيَقُولُونَ) أي : قطعا ذلك كله (لِلَّهِ) أي : المختص بصفات الكمال ، ثم إنه تعالى أمره بقوله : (قُلْ) أي : لهم إذا قالوا لك ذلك منكرا عليهم (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أي : في ذلك المركوز في طباعكم المقطوع به عندكم ما غفلتم عنه من تمام قدرته وباهر عظمته فتصدقوا ما أخبر به من البعث الذي هو دون ذلك ، وتعلموا أنه لا يصلح شيء منها وهو ملكه أن يكون شريكا له تعالى ولا ولدا وتعلموا أن القادر على الخلق ابتداء قادر على الإحياء بعد الموت ، وأنه لا يصح في الحكمة أصلا أن يترك البعث لأنّ أقلكم لا يرضى بترك حساب عبيده والعدل بينهم ، وقرأ حفص وحمزة والكسائي بتخفيف الذال والباقون بالتشديد بإدغام التاء الثانية في الذال.
ثانيها : قوله تعالى : (قُلْ) أي : لهم (مَنْ رَبُ) أي : خالق ومدبر (السَّماواتِ السَّبْعِ) كما تشاهدون من حركاتها وسير أفلاكها (وَرَبُّ الْعَرْشِ) أي : الكرسي (الْعَظِيمِ) كما قال تعالى : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [البقرة ، ٢٥٥].
(سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) أي : الذي له كل شيء هو رب ذلك لا جواب لهم غير ذلك ، ولما تأكد الأمر وزاد الوضوح حسن التهديد على التمادي فقال تعالى : (قُلْ) أي : منكرا عليهم (أَفَلا تَتَّقُونَ) أي : تحذرون عبادة غيره.
ثالثها قوله : (قُلْ) أمره الله تعالى بعدما قرّرهم بالعالمين العلوي والسفلي أن يقرّرهم بما
__________________
(١) الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٧٤ ، ولسان العرب (نصر) ، وتاج العروس (نصر) ، ومقاييس اللغة ٥ / ٤٣٦ ، والكتاب ٢ / ١٨٥ ، ولذي الرمة في شرح شذور الذهب ص ٥٦٤ ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في تهذيب اللغة ١٢ / ٣٢٧ ، وأسرار العربية ص ٢٩٧ ، والأشباه والنظائر ٤ / ٨٦.