ادعائهم معه سبحانه شريكا (قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) أي : عن الحق الذي لا مرية فيه إلى غيره ، وقيل : يعدلون عن هذا الحق الظاهر ، ونظير هذه الآية أوّل سورة الأنعام.
الثاني : منها قوله تعالى : (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً) وهو بدل من (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ) وحكمه حكمه ، ومعنى قرارا ألا تميد بأهلها ، وكان القياس يقتضي أن تكون هادئة أو مضطربة كما يضطرب ما هو معلق في الهواء ، ولكن الله تعالى أبدى بعضها من الماء بحيث يتأتى استقرار الإنسان والدواب عليها (وَجَعَلَ خِلالَها) أي : وسطها (أَنْهاراً) أي : جارية على حالة واحدة فلو اضطربت الأرض أدنى اضطراب لتغيرت مجاري المياه.
ثم ذكر تعالى سبب القرار بقوله تعالى : (وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ) أي : جبالا أثبت بها الأرض على ميزان دبّره سبحانه وتعالى في مواضع من أرجائها بحيث اعتدلت جميع جوانبها فامتنعت من الاضطراب.
ولما كان بعض مياه الأرض عذبا وبعضها ملحا مع القرب جدّا ، بيّن الله تعالى أن أحدهما لم يختلط بالآخر بقوله تعالى : (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ) أي : العذب والملح (حاجِزاً) من قدرته يمنع أحدهما أن يختلط بالآخر (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) أي : المحيط علما وقدرة معين له على ذلك (بَلْ أَكْثَرُهُمْ) أي : الذين ينتفعون بهذه المنافع (لا يَعْلَمُونَ) توحيد ربهم بل هم كالبهائم لإعراضهم عن هذا الدليل الواضح.
تنبيه : في قراءة أإله مثل أئنكم.
الثالث منها قوله تعالى : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ) أي : المكروب وهو الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل الدهر إلى اللجأ والتضرّع إلى الله تعالى (إِذا دَعاهُ) وقت اضطراره ، وعن ابن عباس : هو المجهود ، وعن السدي هو الذي لا حول له ولا قوة. فإن قيل : هذا يعم كل مضطرّ وكم مضطرّ يدعو فلا يجاب؟ أجيب : بأنّ اللام فيه للجنس لا للاستغراق ولا يلزم منه إجابة كل مضطرّ ، وقوله تعالى : (وَيَكْشِفُ السُّوءَ) كالتفسير للاستجابة وأنه لا يقدر أحد على كشف ما وقع له من فقر إلى غنى ومرض إلى صحة إلا القادر الذي لا يعجزه شيء والقاهر الذي لا ينازع ، والإضافة في قوله تعالى : (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ) بمعنى في أي يخلف بعضكم بعضا لا يزال يجدّد ذلك بإهلاك قرن وإنشاء آخر إلى قيام الساعة (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) أي : الملك الذي لا كفؤ له ثم استأنف التبكيت تفظيعا له ومواجها به بقوله تعالى : (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) أي : تتعظون وقرأ أبو عمرو وهشام بالياء ، التحتية على الغيبة ، والباقون بالخطاب وفيه ادغام التاء في الذال وما زائدة لتقليل القليل.
الرابع منها : قوله تعالى : (أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ) أي : يرشدكم إلى مقاصدكم (فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ) أي : بالنجوم والجبال والرياح (وَالْبَحْرِ) بالنجوم والرياح (وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ) أي : التي هي دلائل السير (بُشْراً) أي : تنشر السحاب وتجمعها (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) أي : التي هي المطر تسمية للمسبب باسم السبب والرياح التي يهتدي بها في المقاصد أربع : التي من تجاه الكعبة الصبا ، ومن ورائها الدبور ، ومن جهة يمينها الجنوب ، ومن شمالها الشمال ولكل منها طبع فالصبا حارة يابسة ، والدبور باردة رطبة ، والجنوب حارة رطبة ، والشمال باردة يابسة وهي ريح الجنة التي تهب على أهلها جعلنا الله ووالدينا ومشايخنا وأصحابنا ومن انتفع بشيء من هذا التفسير ودعا لنا بالمغفرة