(وَرَحْمَةً) أي : نعمة هنيئة شريفة لأنها قائدة إليهما.
ولما ذكر حالها ذكر حالهم بعد إنزالها بقوله تعالى : (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أي : ليكون حالهم حال من يرجى تذكره.
ثم إنّ الله تعالى خاطب نبيه صلىاللهعليهوسلم بقوله تعالى :
(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦) وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (٤٨) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠) وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (٥٥) إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦) وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨) وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (٥٩))
(وَما كُنْتَ) أي : يا أفضل الخلق (بِجانِبِ الْغَرْبِيِ) قال قتادة : بجانب الجبل الغربي ، وقال الكلبي : بجانب الوادي الغربي أي : الوادي من الطور الذي رأى موسى عليهالسلام فيه النار وهو ما يلي البحر من جهة الغرب على يمين المتوجه إلى ناحية مكة المشرّفة من ناحية مصر فناداه فيه العزيز الجبار وهو ذو طوى (إِذْ) أي : حين (قَضَيْنا) أي : أوحينا (إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) أي : أمر الرسالة إلى فرعون وقومه وما يريد أن يفعل من ذلك في أوّله وأثنائه وآخره مجملا فكان كل ما أخبرنا به مطابقا تفصيله لإجماله (وَما كُنْتَ) أي : بوجه من الوجوه (مِنَ الشَّاهِدِينَ) لتفاصيل ذلك الأمر الذي أجملناه لموسى عليهالسلام حتى تخبر به كله على هذا الوجه الذي آتيناك به في هذه الأساليب المعجزة ، ولا شك أنّ معرفتك لذلك من قبيل الإخبار عن المغيّبات التي لا تعرف إلا بالوحي ولذلك استدرك عنه بقوله تعالى : (وَلكِنَّا) أي : بما لنا من العظمة (أَنْشَأْنا) بعدما أهلكنا أهل ذلك الزمان الذين علموا هذه الأمور بالمشاهدة وهم السبعون المختارون للميقات أو بالإخبار كلهم (قُرُوناً) أي : أمما كثيرة بعد موسى عليهالسلام (فَتَطاوَلَ) أي : بمروره وعلوه (عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) أي : ولكنا أوحينا إليك أنا أنشأنا قرونا مختلفة بعد موسى عليهالسلام فتطاولت عليهم المدد فنسوا العهود