المحتاج إليها في مصالح الدين والدنيا وهو التوراة كما قال تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ) [المائدة : ٤٤].
(وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) أي : دللناهما على الطريق الموصل إلى الحق والصواب عقلا وسمعا. (وَتَرَكْنا) أي : أبقينا (عَلَيْهِما) ثناء حسنا (فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ) أي : منا (عَلى مُوسى وَهارُونَ إِنَّا كَذلِكَ) أي : كما جزيناهما (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) وقوله تعالى : (إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) تعليل لإحسانهما بالإيمان وإظهار لجلالة قدره وأصالة أمره.
القصة الرابعة قصة الياس عليهالسلام المذكورة في قوله تعالى : (وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) روي عن ابن مسعود أنه قال : الياس هو إدريس ، وهو قول عكرمة وقال أكثر المفسرين : إنه نبي من أنبياء بني إسرائيل ، قال ابن عباس : وهو ابن عم اليسع عليهماالسلام ، وقال محمد ابن إسحاق : هو إلياس بن بشير بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران عليهماالسلام.
تنبيه : أذكر فيه شيئا من قصته عليهالسلام قال علماء السير والأخبار : لما قبض الله تعالى حزقيل النبي عليهالسلام عظمت الأحداث في بني إسرائيل وظهر فيهم الفساد والشرك ونصبوا الأصنام وعبدوها من دون الله عزوجل ، فبعث الله تعالى إليهم إلياس نبيا وكانت الأنبياء من بني إسرائيل يبعثون بعد موسى عليهالسلام بتجديد ما نسوا من أحكام التوراة ، وبنو إسرائيل كانوا متفرقين في أرض الشام وكان سبب ذلك أن يوشع بن نون عليهالسلام لما فتح الشام قسمها على بني إسرائيل وأحل سبطا منها ببعلبك ونواحيها وهم السبط الذين كان منهم إلياس ، فبعثه الله تعالى إليهم نبيا وعليهم يومئذ ملك اسمه لاجب وكان أضل قومه وجبرهم على عبادة الأصنام ، وكان لهم صنم طوله عشرون ذراعا وله أربعة وجوه وكان يسمى : ببعل وكانوا قد فتنوا به وعظموه وجعلوا له أربعمائة سادن أي : خادم ، وكان الشيطان يدخل في جوف بعل ويتكلم بشريعة الضلالة والسدنة يحفظونها عنه ويبلغونها الناس وهم أهل بعلبك ، وكان الياس يدعوهم إلى عبادة الله وهم لا يسمعون له ولا يؤمنون به إلا ما كان من أمر الملك فإنه آمن به وصدقه ، فكان إلياس يقوم بأمره ويسدده ويرشده وكان للملك امرأة تسمى : بإزميل جبارة وكان يستخلفها على ملكه إذا غاب عنهم في غزاة أو غيرها ، وكانت تبرز للناس فتقضي بينهم وكانت قتالة للأنبياء ، ويقال : إنها هي التي قتلت يحيى بن زكريا عليهماالسلام ، وكان له كاتب رجل مؤمن حليم يكتم إيمانه وكان قد خلص من يدها ثلثمائة نبي كانت تريد قتلهم إذا بعث كل واحد منهم سوى الذين قتلتهم وكانت في نفسها غير محصنة ، وكانت قد تزوجت سبعة من ملوك بني إسرائيل وقتلتهم كلهم بالاغتيال وكانت معمرة يقال : إنها ولدت سبعين ولدا ، وكان لاجب هذا جار رجل صالح يقال له : مزدكي ، وكان له جنينة يعيش منها وكانت الجنينة إلى جانب قصر الملك وامرأته ، وكانا يشرفان عليها يتنزهان فيها ويأكلان ويشربان ويقيلان فيها ، وكان الملك يحسن جوار صاحبها مزدكي ويحسن إليه ، وامرأته إزميل تحسده لأجل تلك الجنينة وتحتال أن تغصبها منه لما تسمع الناس يكثرون ذكرها ويتعجبون من حسنها وتحتال أن تقتله ، والملك ينهاها عن ذلك فلا تجد عليه سبيلا ، ثم إنه اتفق خروج الملك إلى مكان بعيد وطالت غيبته فاغتنمت امرأته إزميل ذلك فجمعت جمعا من الناس وأمرتهم أنهم يشهدون على مزدكي أنه سب زوجها لاجب فأجابوها إليه وكان في حكمهم في ذلك الزمان القتل على من سب الملك إذا قامت عليه البينة ، فأحضرت مزدكي وقالت له : بلغني أنك شتمت الملك فأنكر فأحضرت الشهود فشهدوا عليه