(١٧٩) سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٢) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) هذا الحكم الفاسد.
(أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أي : أنه تعالى منزه عن ذلك ، وقرأ حمزة والكسائي وحفص بتخفيف الذال ، والباقون بالتشديد.
وأما النظر فمفقود من وجهين ؛ الأول : أن دليل العقل يقتضي فساد هذا المذهب ؛ لأنه تعالى أكمل الموجودات ، والأكمل له اصطفاء الأبناء على البنات يعني : أن إسناد الأفضل إلى الأفضل أقرب إلى العقل من إسناد الأخس إلى الأفضل ، فإن كان حكم العقل معتبرا في هذا الباب كان قولهم باطلا ، الثاني : أن نترك الاستدلال على فساد مذهبهم بل نطالبهم بإثبات الدليل الدال على صحة مذهبهم وإذا لم يجدوا دليلا ظهر بطلان مذهبهم وهذا هو المراد بقوله تعالى : (أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ) أي : حجة واضحة أن لله ولدا.
(فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ) أي : التوراة فأروني ذلك فيه (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي : في قولكم هذا.
(وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) قال مجاهد وقتادة : أراد بالجنة الملائكة عليهمالسلام سموا جنا لاجتنانهم عن الأبصار ، وقال ابن عباس : حي من الملائكة يقال لهم : الجن منهم إبليس لعنه الله ، وقيل : هم خزان الجنة ، قال الرازي : وهذا القول عندي مشكل ؛ لأنه تعالى أبطل قولهم : الملائكة بنات الله ، ثم عطف عليه قوله تعالى : (وَجَعَلُوا) إلخ والعطف يقتضي المغايرة ، فوجب أن يكون المراد من الآية غير ما تقدم ، وقال مجاهد : قال كفار قريش : الملائكة بنات الله ، فقال لهم أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه منكرا عليهم : فمن أمهاتهم؟ قالوا : سروات الجن ، وهذا أيضا بعيد ؛ لأن المصاهرة لا تسمى نسبا ، قال الرازي : وقد روينا في تفسير قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) [الأنعام : ١٠٠] أن قوما من الزنادقة يقولون : إن الله تعالى وإبليس أخوان فالله تعالى هو الحر الكريم وإبليس هو الأخ الشرير ، فالمراد من ذلك هو هذا المذهب وهو مذهب المجوس ، قال : وهذا القول عندي هو أقرب الأقاويل في الرد عليه بهذه الآية (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ) أي : أهل هذا القول (لَمُحْضَرُونَ) أي : إلى النار ومعذبون ، وقيل : المراد ولقد علمت الجنة أنهم لمحضرون العذاب ، فعلى الأول الضمير عائد إلى القائل ، وعلى الثاني عائد إلى نفس الجنة.
ثم إنه تعالى نزه نفسه عما قالوه من الكذب فقال تعالى : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) بأن لله تعالى ولدا ونسبا وقوله تعالى : (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) أي : المؤمنين استثناء منقطع أي : لكن عباد الله المخلصين ينزهون الله تعالى عما يصف هؤلاء. الثالث : أنه ضمير محضرون أي : لكن عباد الله تعالى ناجون وعلى هذا فتكون جملة التسبيح معترضة وظاهر كلام أبي البقاء أنه يجوز أن يكون استثناء متصلا ؛ لأنه قال : مستثنى من جعلوا أو محضرون ، ويجوز أن يكون منفصلا ، فظاهر هذه العبارة أن الوجهين الأولين هو فيهما متصل لا منفصل وليس ببعيد كأنه قيل : وجعل الناس ، ثم استثنى منهم هؤلاء وكل من لم يجعل بين الله وبين الجنة نسبا فهو عند الله مخلص من الشرك.
وقوله تعالى : (فَإِنَّكُمْ) أي : يا أهل مكة (وَما تَعْبُدُونَ) أي : من الأصنام عود إلى خطابهم ؛ لأنه لما ذكر الدلائل الدالة على فساد مذاهب الكفار أتبعه بما ينبه به على أن هؤلاء الكفار لا يقدرون على إضلال أحد إلا إذا كان قد سبق حكم الله تعالى في حقه بالعذاب والوقوع في النار ، كما قال تعالى : (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) أي : على معبودكم ، وعليه متعلق بقوله : (بِفاتِنِينَ)