مسهم الضر طلبوا رفعه من الله تعالى وإذا زال ذلك الضر عنهم رجعوا إلى عبادة الأصنام فكان الواجب عليهم أن يتعرفوا بالله تعالى في جميع الأحوال لأنه القادر على إيصال الخير ودفع الشر فظهر تناقض طريقهم والمراد بالإنسان : الكافر ، وقيل : المؤمن والكافر ، وقيل المراد : أقوام معينون كعتبة بن ربيعة وغيره ، والمراد بالضر : جميع المكاره في جسمه أو ماله أو أهله أو ولده لعموم اللفظ وقوله تعالى (مُنِيباً) حال من فاعل دعا وقوله تعالى (إِلَيْهِ) متعلق بمنيبا أي : راجعا إليه في إزالة ذلك الضر لأن الإنابة الرجوع (ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ) أي : أعطاه (نِعْمَةً) مبتدأة (مِنْهُ) أي : من غير مقابل ولا يستعمل في الجزاء بل في ابتداء العطية قال زهير (١) :
هنالك إن يستخولوا المال يخولوا
ويروى أن يستخيلوا المال يخيلوا وقال أبو النجم (٢) :
أعطى فلم يبخل ولم يبخل |
|
كوم الذرى من خول المخوّل |
وحقيقة خول من إحدى معنيين : إما من قولهم : هو خائل مال إذا كان متعهدا له حسن القيام عليه ، وإما من خال يخول إذا اختال وافتخر ومنه قول العرب : إن الغني طويل الذيل مياس. (نَسِيَ) أي : ترك (ما) أي : الأمر الذي (كانَ يَدْعُوا) أي : يتضرع (إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ) أي : قبل النعمة.
تنبيه : يجوز في ما هذه أوجه ؛ أحدها : أن تكون موصولة بمعنى الذي مراعى بها الضر الذي كان يدعو إلى كشفه أي : ترك دعاءه كأنه لم يتضرع إلى ربه ، ثانيها : أنها بمعنى الذي مرادا بها البارئ تعالى أي : نسي الله الذي كان يتضرع إليه وهذا عند من يجيز وقوع ما على أولي العلم. وقال الرازي : ما بمعنى من كقوله تعالى : (وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) [الليل : ٣] وقوله : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) [الكافرون : ٣] وقوله (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) [النساء : ٣] ثالثها : أن تكون مصدرية أي : نسي كونه داعيا (وَجَعَلَ) أي : ذلك الإنسان زيادة على الكفران بالنسيان للإحسان (لِلَّهِ) أي : الذي لا مكافئ له بشهادة الفطرة والسمع والعقل (أَنْداداً) أي : شركاء (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) أي : دين الإسلام وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء بعد اللام أي : ليفعل الضلال بنفسه والباقون بضمها أي : لم يقنع بضلاله في نفسه حتى يحمل غيره عليه فمفعوله محذوف ، واللام يجوز أن تكون للعلة وأن تكون لام العاقبة كقوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨].
واختلف في سبب نزول قوله تعالى لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم (قُلْ) أي : لهذا الذي قد حكم بكفره (تَمَتَّعْ) أي : في هذه الدنيا (بِكُفْرِكَ قَلِيلاً) أي : بقية أجلك فقال مقاتل : نزل في أبي حذيفة بن
__________________
(١) عجزه :
وإن يسألوا يعصوا وإن ييسروا يغلوا
والبيت من الطويل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ١١٢ ، ولسان العرب (خبل) ، (خول) ، وتهذيب اللغة ٧ / ٤٢٥ ، وجمهرة اللغة ص ٢٩٣ ، ومقاييس اللغة ٢ / ٢٣٤ ، والمخصص ٧ / ١٥٩ ، ومجمل اللغة ٢ / ٢٣٧ ، وتاج العروس (خبل) ، وديوان الأدب ٢ / ٣٢٣.
(٢) الرجز لأبي النجم في لسان العرب (بقل) ، (خول) ؛ وتهذيب اللغة ٧ / ٥٦٤ ، ومجمل اللغة ١ / ٢٨١ ، وأساس البلاغة (خول) ، وتاج العروس (خول) ، والطرائف الأدبية ص ٥٧.