تعالى : (كَالَّذِي خاضُوا) ويدل عليه أن نون التثنية إذا حذفت عاد الضمير مثنى كقوله (١) :
أبني كليب إن عميّ اللذا |
|
قتلا الملوك وفككا الأغلالا |
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : والذي جاء بالصدق يعني : رسول الله صلىاللهعليهوسلم جاء بلا إله إلا الله وصدق به الرسول أيضا بلغه إلى الخلق. وقال السدي : والذي جاء بالصدق جبريل عليهالسلام جاء بالقرآن وصدق به محمد صلىاللهعليهوسلم تلقاه بالقبول ، وقال أبو العالية والكلبي : والذي جاء بالصدق رسول الله صلىاللهعليهوسلم وصدق به أبو بكر رضي الله عنه ، وقال عطاء : والذي جاء بالصدق الأنبياء وصدق به الأتباع ، وقال الحسن : هم المؤمنون صدقوا به في الدنيا وجاؤوا به في الآخرة.
وقوله تعالى : (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ) أي : من أنواع الكرامات (عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي : في الجنة يدل على حصول الثواب على أكمل الوجوه (ذلِكَ) أي : هذا الجزاء (جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) لأنفسهم بإيمانهم.
وقوله تعالى : (لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ) يدل على سقوط العقاب عنهم على أكمل الوجوه ومعنى تكفيرها أن يسترها عليهم بالمغفرة.
تنبيه : في تعلق هذه اللام وجهان أحدهما : أنها متعلقة بمحذوف أي : يسر لهم ذلك ليكفر ، ثانيهما : أنها متعلقة بنفس المحسنين كأنه قيل : الذين أحسنوا ليكفر أي : لأجل التكفير وقوله تعالى : (أَسْوَأَ الَّذِي) أي : العمل الذي (عَمِلُوا) فيه مبالغة فإنه إذا كفر غيره أولى بذلك أو للإيذان بأن الشيء الذي يفرط منهم من الصغائر والزلات المكفرة هو عندهم الأسوأ لاستعظامهم المعصية أو أنه بمعنى السيىء كما جرى عليه الجلال المحلي كقولهم : الناقص والأشج أعدلا بني مروان أي : عادلاهم إذ ليس المراد به التفضيل ، والناقص هو محمد الخليفة سمي به ؛ لأنه نقص أعطية القوم والأشج هو عمر بن عبد العزيز سمي به لشجة أصابت رأسه.
(وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ) أي : ويعطيهم ثوابهم (بِأَحْسَنِ الَّذِي) أي : العمل الذي (كانُوا يَعْمَلُونَ) أي : فيعد لهم محاسن أعمالهم بأحسنها في زيادة الأجر لحسن إخلاصهم فيها وهذا أولى من قول الجلال المحلي إنه بمعنى الحسن.
وقوله تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ) أي : الجامع لصفات الكمال كلها المنعوت بنعوت العظمة والجلال (بِكافٍ عَبْدَهُ) أي : الخالص له استفهام إنكار للنفي مبالغة في الإثبات ، وقرأ حمزة والكسائي بكسر العين وفتح الباء الموحدة وألف بعدها على الجمع ، وقرأ الباقون بفتح العين وسكون الباء على الإفراد ، فقراءة الإفراد محمولة على النبي صلىاللهعليهوسلم وقراءة الجمع على جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإن قومهم قصدوهم بالسوء كما قال الله تعالى (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو للأخطل في ديوانه ص ٣٨٧ ، والأزهية ص ٢٩٦ ، والاشتقاق ص ٣٣٨ ، وخزانة الأدب ٣ / ١٨٥ ، ٦ / ٦ ، والدرر ١ / ١٤٥ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٣٦ ، وشرح التصريح ١ / ١٣٢ ، وشرح المفصل ٣ / ١٥٤ ، ١٥٥ ، والكتاب ١ / ١٨٦ ، ولسان العرب (فلج) ، (حظا) ، (لذي) ، والمقتضب ٤ / ١٤٦ ، وتاج العروس (لذي) وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٣٦٢ ، وأوضح المسالك ١ / ١٤٠ ، وخزانة الأدب ٨ / ٢١٠ ، ورصف المباني ص ٣٤١ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٧٩ ، وما ينصرف وما لا ينصرف ص ٨٤ ، والمحتسب ١ / ١٨٥ ، والمنصف ١ / ٦٧.