للفصل بينهم في سائر الأمور (أَيْنَ شُرَكائِي) أي : الذين زعمتم أنهم يشفعون لكم في هذا اليوم ويحمونكم من العقاب واللوم (قالُوا) أي : المشركون (آذَنَّاكَ) أي : أعلمناك (ما مِنَّا) وأكدوا النفي بإدخال الجار في المبتدأ (مِنْ شَهِيدٍ) أي : يشهد أن لك شريكا وذلك لما رأوا العذاب تبرؤوا من الأصنام وقيل : معناه ما منا أحد يشاهدهم لأنهم ضلوا عنهم وضلت عنهم آلهتهم فلا يبصرونها في ساعة التوبيخ ، وقيل : هذا كلام الأصنام كأن الله تعالى يحييها وأنها تقول ما منا من شهيد أي : أحد يشهد بصحة ما أضافوا إلينا من الشركة.
وعلى هذا التقدير فمعنى ضلالتهم عنهم أنهم لا ينفعونهم فكأنهم ضلوا عنهم وهو معنى قوله تعالى :
(وَضَلَ) أي : ذهب وغاب وخفي (عَنْهُمْ ما كانُوا) أي : دائما (يَدْعُونَ) في كل حين على وجه العبادة (مِنْ قَبْلُ) فهم لا يرونه فضلا عن أنهم يجدون نفعه (وَظَنُّوا) أي : في ذلك الحال (ما لَهُمْ) وأبلغ في النفي بإدخال الجار على المبتدأ المؤخر فقال : (مِنْ مَحِيصٍ) أي : مهرب وملجأ ومعدل.
ولما بين تعالى من حال هؤلاء الكفار أنهم بعد أن كانوا مصرين على القول بإثبات الشركاء والأضداد لله تعالى في الدنيا تبرؤوا عن تلك الشركاء في الآخرة ، بين تعالى أن الإنسان في جميع الأوقات متغير الأحوال فإن أحس بخير وقدرة تعاظم وإن أحس ببلاء ومحنة ذلّ بقوله تعالى : (لا يَسْأَمُ) أي : لا يمل ولا يعجز (الْإِنْسانُ) أي : الآنس بنفسه الناظر في إعطافه الذي لم يتأهل للمعارف الإلهية والطرق الشرعية (مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) أي : لا يزال يسأل ربه المال والصحة وغيرهما (وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ) أي : من فقر وشدة وغيرهما (فَيَؤُسٌ) من فضل الله تعالى (قَنُوطٌ) من رحمة الله تعالى ، والمعنى : أن الإنسان في حال الإقبال لا ينتهي إلى درجة إلا ويطلب الزيادة عليها ، وفي حال الإدبار والحرمان يصير آيسا قانطا ، وهذه صفة الكافر لقوله تعالى : (لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) [يوسف : ٨٧].
تنبيه : في قوله تعالى (فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) مبالغة من وجهين ؛ أحدهما : من طريق فعول ، والثاني : من طريق التكرار واليأس من صفة القلب ، والقنوط أن تظهر آثار اليأس في الوجه والأحوال الظاهرة.
ثم بين تعالى حال هذا الذي صار آيسا قانطا بقوله تعالى : (وَلَئِنْ) اللام لام القسم (أَذَقْناهُ) أي : آتينا ذلك الإنسان (رَحْمَةً) أي : غنى وصحة (مِنَّا) أي : بما لنا من العظمة والقدرة (مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ) أي : شدة وبلاء (مَسَّتْهُ) فإنه يأتي بثلاثة أنواع من الأقاويل الفاسدة الموجبة للكفر والبعد من الله تعالى ، الأول منها ما حكاه الله بقوله سبحانه : (لَيَقُولَنَ) بمجرد ذوق تلك الرحمة على أنها ربما كانت بلاء عظيما لكونها استدراجا إلى الهلاك (هذا) الأمر العظيم (لِي) أي : حقي مختص بي وصل إلي لأني استوجبته بعلمي وعملي ولا يعلم المسكين أن أحدا لا يستحق على الله تعالى شيئا لأنه إن كان عاريا من الفضائل فكلامه ظاهر الفساد ، وإن كان موصوفا بشيء من الفضائل والصفات الحميدة فهي إنما حصلت بفضل الله وإحسانه.
النوع الثاني : من كلامه الفاسد قوله : (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ) أي : القيامة (قائِمَةً) أي : ثابتا قيامها فقطع الرجاء منها سواء عبر عن ذلك بلسان قاله أو بلسان حاله لكونه يفعل أفعال الشاك فيها ، النوع الثالث : من كلامه الفاسد قوله (وَلَئِنْ) اللام لام القسم (رُجِعْتُ) أي : على سبيل