بعضهم من حيز الحروف وجعلها فعلا ، وقيل : معناها حم أي : قضى ما هو كائن ، روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال : ح حلمه م مجده ع علمه س سناؤه ق قدرته أقسم الله تعالى بها. وقال شهر بن حوشب وعطاء بن أبي رباح : ح : حرب قريش يعز فيها الذليل ويذل فيها العزيز في قريش ، م : ملك يتحول من قوم إلى قوم ، ع : عداوة لقريش يقصدهم سين سنين كسني يوسف تكون فيهم ، ق : قدرة الله تعالى النافذة في خلقه.
وروي عن ابن عباس أنه قال ليس من نبي صاحب كتاب إلا وأوحيت إليه حم عسق فلذلك قال تعالى : (كَذلِكَ) أي : مثل هذا الإيحاء العظيم الشأن (يُوحِي إِلَيْكَ) أي : ما دمت حيا لا يقطع ذلك عنك (وَإِلَى) أي : وأوحى إلى (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) أي : من الرسل الكرام والأنبياء الأعلام ومن جملة ما أوحى إليهم أن أمتك أكثر الأمم وأنك أشرف الأنبياء وأخذ على كل منهم العهد باتباعك وأن يكونوا من أنصارك وأتباعك وقوله تعالى : (اللهُ) أي : الذي له الإحاطة بأوصاف الكمال فاعل الإيحاء.
ولما كان نفوذ الأمر دائرا على العزة والحكمة قال تعالى : (الْعَزِيزُ) أي : الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء (الْحَكِيمُ) الذي يصنع ما يصنعه في أتقن محاله فلذلك لا يقدر أحد على نقض ما أبرمه ولا نقص ما أحكمه.
تنبيه : ما تقرر من أن الله تعالى فاعل الإيحاء هو على قراءة كسر الحاء من يوحي وهي قراءة غير ابن كثير ، وأما على قراءة ابن كثير بفتح الحاء فيجوز أن يرتفع بفعل مضمر كأنه قيل : من يوحيه فقيل الله ك (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ) [النور : ٣٦ ـ ٣٧] ويجوز أن يرتفع بالابتداء وما بعده خبر والجملة قائمة مقام الفاعل وأن يكون العزيز الحكيم خبرين أو نعتين.
والجملة من قوله تعالى : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ) أي : من الذوات والمعاني (وَما فِي الْأَرْضِ) كذلك خبر أول أو ثان على حسب ما تقدم في العزيز الحكيم ، قال الزمخشري : لم يقل تعالى أوحى إليك ولكن قال : يوحي إليك على لفظ المضارع ليدل على أن إيحاء مثله عادة وكونه عزيزا يدل على كونه قادرا على ما لا نهاية له ، وكونه حكيما يدل على كونه عالما بجميع المعلومات غنيا عن جميع الحاجات وقوله تعالى : (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) يدل على كونه متصفا بالقدرة الكاملة النافذة في جميع أجزاء السموات والأرض على عظمتها وسعتها بالإيجاد والإعدام وأن ما في السموات وما في الأرض خلقه وملكه.
ولما كان العلو مستلزما للقدرة قال تعالى : (وَهُوَ الْعَلِيُ) على كل شيء علو رتبة وعظمة ومكانة لا علو مكان وملابسة (الْعَظِيمُ) بالقدرة والقهر والاستعلاء.
وقوله تعالى : (تَكادُ السَّماواتُ) قرأه نافع والكسائي بالياء التحتية ، والباقون بالفوقية وقوله تعالى (يَتَفَطَّرْنَ) أي : يشققن قرأه شعبة وأبو عمرو بعد الياء بنون ساكنة وكسر الطاء مخففة ، والباقون بعد الياء بتاء فوقية مفتوحة وفتح الطاء مشددة وقوله تعالى : (مِنْ فَوْقِهِنَ) في ضميره ثلاثة أوجه ؛ أحدها : أنه عائد على السموات أي : كل واحدة منهن تنفطر فوق التي تليها من عظمة الله تعالى أو من قول المشركين : (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) [الكهف : ٤] كما في سورة مريم (١) أي : يبتدئ
__________________
(١) الآية المذكورة ليست في سورة مريم ، بل هي في سورة الكهف الآية ٤ ، وأما التي في سورة مريم : اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً [مريم : ٨٨].