المعجزات (بِهِ إِبْراهِيمَ) الذي نجيناه من كيد نمروذ بالنار وغيرها ووهبنا له على الكبر إسماعيل وإسحاق ، وقرأ هشام بفتح الهاء وألف بعدها ، والباقون بكسر الهاء وياء بعدها (وَمُوسى) الذي أنزلنا عليه التوراة موعظة وتفصيلا لكل شيء (وَعِيسى) الذي أنزلنا عليه الإنجيل هدى ونورا وموعظة ، وادخرناه في سمائنا لتأييد شريعة الفاتح الخاتم صلىاللهعليهوسلم.
ثم بين المشروع الموصى به والموحى إلى محمد صلىاللهعليهوسلم بقوله تعالى : (أَنْ أَقِيمُوا) أي : أيها المشروع لهم من هذه الأمة الخاتمة ومن الأمم الماضية (الدِّينِ) وهو الإيمان بما يجب تصديقه والطاعة في أحكام الله تعالى ، ومحله النصب على البدل من مفعول شرع أو الرفع على الاستئناف كأنه جواب ، وما ذلك المشروع أو الجر على البدل من هاء به.
ولما عظمه بالأمر بالاجتماع أتبعه بالتعظيم بالنهي عن الافتراق بقوله تعالى : (وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) أي : ولا تختلفوا في هذا الأصل أما فروع الشرائع المختلفة فقال تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) [المائدة : ٤٨] وقال قتادة : الموصى به تحليل الحلال وتحريم الحرام ، وقال الحكم : تحريم الأمهات والبنات والأخوات ، وقال مجاهد : لم يبعث الله تعالى نبيا إلا وصاه بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإفراد لله تعالى بالطاعة فذلك دينه الذي شرعه ، وقيل : هو التوحيد والبراءة من الشرك ، وجرى على هذا الجلال المحلي والكل يرجع إليه (كَبُرَ) أي : عظم وشق (عَلَى الْمُشْرِكِينَ) حتى ضاقت به صدورهم (ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) أيها النبي الفاتح الخاتم من الاجتماع أبدا على ما اجتمعوا عليه وقت الاضطرار من وحدانية الواحد القهار ، فلأجل كبره عليهم هم يسعون في تفرقكم فإن تفرقتم كنتم تابعتم العدو الحسود وخالفتم الولي الودود.
ثم نبه تعالى على أن الأمور كلها بيده بقوله تعالى : (اللهُ) الذي له مجامع العظمة ونفوذ الأمر (يَجْتَبِي) أي : يختار (إِلَيْهِ) أي : إلى هذا الدين الذي تدعوهم إليه (مَنْ يَشاءُ) اجتباءه (وَيَهْدِي إِلَيْهِ) بالتوفيق للطاعة (مَنْ يُنِيبُ) أي : من يقبل إلى طاعته.
ولما بين تعالى أمر كل الأنبياء عليهمالسلام والأمم بالأخذ بالدين المتفق عليه كأن لقائل أن يقول : فلماذا نجدهم متفرقين؟ أجاب بقوله تعالى : (وَما تَفَرَّقُوا) أي : المشركون من قبلكم من أهل الكتاب وغيرهم (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) أي : بالتوحيد أو بمبعث الرسول صلىاللهعليهوسلم أو بأن التفرق ضلال متوعد عليه (بَغْياً بَيْنَهُمْ) أي : فعلوا ذلك للبغي وطلب الرياسة فحملتهم الحمية النفسانية على أن ذهبت كل طائفة إلى مذهب ودعوا الناس إليه وقبحوا ما سواه طلبا للذكر والرياسة ، فصار ذلك سببا لوقوع الاختلاف ، ثم أخبر تعالى أنهم استحقوا العذاب بسبب هذا الفعل إلا أنه تعالى أخر عنهم العذاب لأن لكل عذاب عنده أجلا مسمى ، أي : وقتا معلوما وهذا معنى قوله تعالى : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ) أي : لا تبديل لها (سَبَقَتْ) أي : في الأزل (مِنْ رَبِّكَ) أي : المحسن إليك بجعلك خير الخلائق وإمامهم بتأخيرهم (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ضربه لآجالهم ثم يجمعهم في الآخرة (لَقُضِيَ) على أيسر وجه وأسهله (بَيْنَهُمْ) حين الافتراق بإهلاك الظالم وإنجاء المحق ، قال ابن عباس : والذين أريدوا بهذه الصفة هم اليهود والنصارى لقوله تعالى في آل عمران : (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) [آل عمران : ١٩] وقوله تعالى في سورة لم يكن : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) [البينة : ٤] وكذلك في قوله تعالى : (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي : المتفرقين هم اليهود