وكف الأذى عنه ومودة أقاربه والتقرب إلى الله تعالى بالطاعة والعمل الصالح من فرائض الدين.
ولما كان التقدير فمن يقترف سيئة فعليه وزرها ولكنه طوى لأن المقام للبشارة كما يدل عليه ختم الآية عطف عليه قوله تعالى (وَمَنْ يَقْتَرِفْ) أي : يكتسب ويخالط ويعمل بجد واجتهاد وتعمد وعلاج (حَسَنَةً) أي : ولو صغرت (نَزِدْ) بما لنا من العظمة (لَهُ فِيها) أي : في الحسنة (حُسْناً) أي : بمضاعفة الثواب من الزيادة أن يكون له مثل أجر من اقتدى به فيها إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيء ، قيل : نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وقيل : المراد بها العموم في أي : حسنة كانت إلا أنها لما ذكرت عقب ذكر المودة في القربى دل ذلك على أن المقصود التأكيد في تلك المودة (إِنَّ اللهَ) أي : الذي لا يتعاظمه شيء (غَفُورٌ) لكل ذنب تاب منه صاحبه وكان غير الشرك وإن لم يتب منه إن شاء فلا يصدن أحدا سيئة عملها عن الإقبال على الحبيب (شَكُورٌ) أي : فهو يجزي بالحسنة أضعافها وإن قلت والشكور في حق الله تعالى مجاز والمعنى : أنه تعالى يحسن إلى المطيعين في إيصال الثواب إليهم وفي أن يزيد عليه أنواعا كثيرا من التفضيل.
ثم ذكر الله تعالى الجواب عن طعن الكفرة في النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله تعالى : (أَمْ) أي : بل (يَقُولُونَ افْتَرى) أي : محمد صلىاللهعليهوسلم (عَلَى اللهِ) الذي أحاط بصفات الكمال فله العلم الشامل لمن يتقول عليه والقدرة التامة على عقابه (كَذِباً) حين زعم أن هذا القرآن من عنده وأنه أرسله بهذا الدين (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ) أي : الذي له الإحاطة بالكمال (يَخْتِمْ) أي : يربط (عَلى قَلْبِكَ) بالصبر على أذاهم بهذا القول وغيره وقد فعل ، وقال قتادة : يعني يطبع على قلبك فينسيك القرآن وما آتاك فأخبرهم أنه لو افترى على الله كذبا لفعل به ما أخبر عنه في هذه الآية ، أي : أنه لا يجترئ على افتراء الكذب إلا من كان في هذه الحالة ، والمقصود من هذا الكلام : المبالغة في تقرير الاستبعاد ومثاله : أن ينسب رجل بعض الأمناء إلى الخيانة فيقول الأمين : ذلك لعل الله خذلني أعمى قلبي وهو لا يريد إثبات الخذلان وعمى القلب لنفسه وإنما يريد استبعاد صدور الخيانة منه وقوله تعالى (وَيَمْحُ اللهُ) أي : الذي له الأمر كله (الْباطِلَ) وهو قولهم افترى مستأنف غير داخل في جزاء الشرط لأنه تعالى يمحو الباطل مطلقا وسقطت الواو منه لفظا لالتقاء الساكنين في الدرج وخطا حملا للخط على اللفظ كما كتبوا سندع الزبانية عليه وأما الحق فإنه ثابت شديد مضاعف فلذا قال : (وَيُحِقُ) أي : يثبت على وجه لا يمكن زواله (الْحَقَ) أي : كل ما من شأنه الثبات لأنه أذن فيه وأقره (بِكَلِماتِهِ) أي : التي لو كان البحر مدادا لها لنفذ وقد فعل الله تعالى ذلك فمحا باطلهم وأعلى كلمة الإسلام عليهم (إِنَّهُ عَلِيمٌ) أي : بالغ العلم (بِذاتِ الصُّدُورِ) أي : ما هو فيها مما يعلمه صاحبها ومما لا يعلمه فيبطل باطله ويثبت حقه وإن كره الخلائق ذلك ولتعلمن نبأه بعد حين ، ولقد صدق الله تعالى فأثبت ببركة هذا القرآن كل ما كان يقوله صلىاللهعليهوسلم ، وأبطل بسيف هذا البرهان كل ما كانوا يخالفونه فيه ومن أصدق من الله قيلا ، قال ابن عباس : لما نزل (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) وقع في قلوب قوم منها شيء وقالوا : يريد أن يخلطنا على أقاربه من بعده فنزل جبريل عليهالسلام فأخبره أنهم اتهموه فأنزل الله تعالى هذه الآية فقال القوم : يا رسول الله فإنا نشهد أنك صادق فنزل :
(وَهُوَ) أي : لا غيره (الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) بالتجاوز عما تابوا عنه سئل أبو الحسن