إرادته لهم الإكرام بالإيمان ما آمنوا ، وعدي الفعل بنفسه ولم يقل : «ويستجيب للذين آمنوا» تنبيها على زيادة بره لهم ووصلهم به (وَعَمِلُوا) تصديقا لدعواهم الإيمان (الصَّالِحاتِ) فيثيبهم النعيم المقيم (وَيَزِيدُهُمْ) أي : مع ما دعوا به لما لم يدعوا به ولم يخطر على قلوبهم (مِنْ فَضْلِهِ) أي : تفضلا منه عليهم ويجوز أن يكون الموصول فاعلا أي : يجيبون ربهم إذا دعاهم كقوله تعالى : (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ) [الأنفال : ٢٤] واستجاب كأجاب ومنه (١) :
وداع دعا يا من يجيب إلى الندا |
|
فلم يستجبه عند ذلك مجيب |
وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما : معناه ويثيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله سوى ثواب أعمالهم تفضلا منه ، وروى أبو صالح عنه : «يشفعهم ويزيدهم من فضله» قال : في إخوان إخوانهم ثم أتبع المؤمنين بذكر ضدهم فقال تعالى (وَالْكافِرُونَ) أي : العريقون في هذا الوصف القاطع الذين منعتهم عراقتهم من التوبة والإيمان (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) بدل ما للمؤمنين من الثواب والتفضيل ولا يجيب دعاءهم وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ، فالآية من الاحتباك ذكر الاستجابة أولا دليلا على ضدها ثانيا والعذاب ثانيا دليلا على ضده أولا.
ولما قال تعالى إنه يجيب دعاء المؤمنين ورد سؤال وهو أن المؤمن قد يكون في شدة وبلية وفقر ثم يدعو فلا يظهر أثر الإجابة فكيف الجمع بينه وبين قوله تعالى (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا) فأجاب تعالى عنه بقوله تعالى : (وَلَوْ) أي : وهو يقبل ويستجيب والحال أنه لو (بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ) لهم هكذا كان الأصل لكن قال : (لِعِبادِهِ) لئلا يظن خصوصية ذلك بالتائبين إذ لا فرق بين التائب وغيره (لَبَغَوْا) أي : طغوا (فِي الْأَرْضِ) أي : لصاروا يريدون كل ما يشتهون فيكثر القتل والسلب والنهب ونحو ذلك من أنواع الفساد ، قال خباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع وتمنيناها فنزلت ، وذكر في كون بسط الرزق موجبا للطغيان وجوه : الأول : أن الله تعالى لو سوى في الرزق بين الكل امتنع كون البعض محتاجا إلى البعض وذلك موجب خراب العالم وتعطيل المصالح ، ثانيها : أن هذه الآية مختصة بالعرب فإنه كلما اتسع رزقهم ووجدوا من ماء المطر ما يرويهم من الكلأ ومن العشب ما يشبعهم قدموا على النهب والغارة ، ثالثها : أن الإنسان متكبر بالطبع فإن وجد الغنى والقدرة عاد إلى مقتضى خلقته الأصلية وهو التكبر وإذا وقع في شدة وبلية ومكروه انكسر وعاد إلى التواضع والطاعة ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : «بغيهم طلبهم منزلة بعد منزلة ومركبا بعد مركب وملبسا بعد ملبس» (وَلكِنْ يُنَزِّلُ) أي : لعباده من الرزق ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : بسكون النون وتخفيف الزاي والباقون بفتح النون وتشديد الزاي (بِقَدَرٍ) أي : بتقدير لهم (ما يَشاءُ) أي : ما اقتضته مشيأته (إِنَّهُ) وقال تعالى : (بِعِبادِهِ) ولم يقل بهم لئلا يظن أن الأمر خاص بمن وسع عليهم أو ضيق عليهم (خَبِيرٌ بَصِيرٌ) يعلم جميع ظواهر أمورهم وبواطنها فيقيم كل أحد فيما يصلح له من صلاح وفساد وعدل وبغي.
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لكعب بن سعد الغنوي في الأصمعيات ص ٩٦ ، ولسان العرب (جوب) ، والتنبيه والإيضاح ١ / ٥٥ ، وجمهرة أشعار العرب ص ٧٠٥ ، وتاج العروس (جوب) ، وبلا نسبة في تهذيب اللغة ١١ / ٢١٩.