واضرب بفتح الباء أصله اضربن بنون التوكيد الخفيفة فحذفت النون وحركت الباء بالفتح ، والطارق ما يطرق بالليل والقونس : منبت شعر الناصية وهو عظم نابت بين أذني الفرس ، ثانيها : أنه منصوب على الحال أي : صافحين ثالثها أن يكون مفعولا من أجله وقيل غير ذلك (أَنْ) أي : أنفعل ذلك لأن (كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ) أي : مشركين لا نفعل ذلك وهو في الحقيقة علة مقتضية لترك الإعراض ، وقرأ نافع وحمزة والكسائي بكسر الهمزة على أن الجملة شرطية مخرجة للمحقق ومخرج المشكوك استجهالا لهم وما قبلها دليل الجزاء ، وقرأ الباقون بفتحها.
وذكر تعالى تأنيسا للنبي صلىاللهعليهوسلم وتأسية وتعزية وتسلية قوله سبحانه وتعالى : (وَكَمْ أَرْسَلْنا) أي : على ما لنا من العظمة (مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ) أي : في الأمم الماضية ثم حكى حالهم الماضية بقوله تعالى : (وَما) أي : والحال أنه ما (يَأْتِيهِمْ) وأغرق في النفي بقوله تعالى : (مِنْ نَبِيٍ) أي : في أمة بعد أمة أو زمان بعد زمان (إِلَّا كانُوا) أي : خلقا وطبعا (بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) كما استهزأ قومك بك فلا ينبغي أن تتأذى من قومك بسبب تكذيبهم واستهزائهم لأن المصيبة إذا عمت خفت.
تنبيه : كم خبرية مفعول مقدم ومن نبي تمييز وفي الأولين متعلق بالإرسال أو بمحذوف على أنه صفة لنبي.
(فَأَهْلَكْنا) أي : فتسبب عن الاستهزاء بالرسل أنا أهلكنا (أَشَدَّ مِنْهُمْ) أي : من قريش الذين يستهزؤون بك (بَطْشاً) أي : قوة وكان الأصل الإضمار ولكنه أظهر الضمير صارفا أسلوب الخطاب إلى الغيبة إقبالا على نبيه صلىاللهعليهوسلم تسلية له وإبلاغا في وعيدهم (وَمَضى) أي : سبق في آيات الله (مَثَلُ) أي : صفة (الْأَوَّلِينَ) في الإهلاك وفي لك وعد للرسول صلىاللهعليهوسلم ووعيد لهم مثل ما جرى على الأولين.
واللام في قوله تعالى : (وَلَئِنْ) لام قسم (سَأَلْتَهُمْ) أي : سألت قومك (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ) على علوها وسعتها (وَالْأَرْضَ) على كثرة عجائبها وعظمها وقوله تعالى : (لَيَقُولُنَ) حذف منه نون الرفع لتوالي النونات وواو الضمير لالتقاء الساكنين (خَلَقَهُنَ) الذي هو موصوف بأنه (الْعَزِيزُ) أي : الذي لا يغالب (الْعَلِيمُ) بما كان وما يكون.
تنبيه : هذا الجواب مطابق للسؤال من حيث المعنى إذ لو جاء على اللفظ لجيء فيه بجملة ابتدائية كالسؤال فكان الجواب هنا الله كما غيره من الآيات ، لكنه عدل عنه إلى المطابقة المعنوية مكررا للفعل تأكيدا لإغراقهم زيادة في توبيخهم وتنبيها على عظم غلطهم.
ولما تم الإخبار عنهم ابتدأ الأدلة على نفسه بذكر مصنوعاته فقال تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ) ولو كان ذلك قولهم لقالوا لنا : (الْأَرْضَ مِهاداً) أي : فراشا قارة ثابتة كالمهد للصبي ولو شاء لجعلها مزلة لا ينبت فيها شيء كما ترون من بعض الجبال ، فالانتفاع بها إنما حصل لكونها واقفة ساكنة فإنها لو كانت متحركة ما أمكن الانتفاع بها في الزراعة والأبنية وستر عيوب الأحياء والأموات ، ولأن المهد موضع راحة الصبي فكانت الأرض مهادا لكثرة ما فيها من الراحات ، وقرأ الكوفيون بفتح الميم وسكون الهاء والباقون بكسر الميم وفتح الهاء وألف بعد الهاء (وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) أي : طرقا تسلكونها وذلك أن انتفاع الناس إنما يكمل إذا سعوا في أقطار الأرض فهيأ تعالى تلك السبل ووضع عليها علامات ليحصل الانتفاع ولو شاء لجعلها بحيث لا يسكن في مكان منها كما جعل بعض الجبال كذلك ثم ذكر الغاية في ذلك فقال تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أي : لكي