سورة الجاثية
مكية إلا (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا) الآية هي سبع وثلاثون آية وأربعمائة وثمان وثمانون كلمة ، وألفان ومائة وواحد وتسعون حرفا.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
(بِسْمِ اللهِ) الذي تفرد بتمام العز والكبرياء (الرَّحْمنِ) الذي أحكم رحمته بالبيان العام للسعداء والأشقياء (الرَّحِيمِ) الذي خص بملابسة طاعته الأولياء وتقدم الكلام على قوله تعالى :
(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٥) تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (٦) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٨) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٩) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠) هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (١١) اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣))
(حم) ثم إن جعلتها اسما مبتدأ مخبرا عنه بقوله تعالى : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ) أي : الجامع لكل خير لم يكن بد من حذف مضاف تقديره ، تنزيل حم تنزيل الكتاب. وقوله تعالى : (مِنَ اللهِ) أي : المحيط بصفات الكمال صلة للتنزيل ، وإن جعلتها تعديدا للحروف كان تنزيل الكتاب مبتدأ والظرف خبرا (الْعَزِيزِ) في ملكه (الْحَكِيمِ) في صنعه.
ولما كانت الحواميم كما روى أبو عبيدة في كتاب الفضائل عن ابن عباس لبيان القرآن حذف ما ذكر في البقرة من قوله تعالى (خَلَقَ) ليكون ما هنا أشمل فقال تعالى : (إِنَّ فِي السَّماواتِ) أي : ذواتها بما لها من الدلالة على صانعها وخلقها على ما فيها من العبر بما فيها من المنافع وعظيم الصنعة وما لها من الشفوف الدال على تعددها بما فيها من الكواكب (وَالْأَرْضِ) كذلك وبما حوت من المعادن والمعاش (لَآياتٍ) أي : دلالات على وجود الإله القادر الفاعل المختار فإن من المعلوم أنه لا بد لكل ذلك من صانع متصف بذلك وقال تعالى (لِلْمُؤْمِنِينَ) لأنهم برسوخهم في هذا الوصف الشريف أهل للنظر لأن ربهم يهديهم بإيمانهم ، فشواهد الربوبية لهم منهما لائحة وأدلة الإلهية فيهما واضحة.