الأرواح حياة الأشباح (فَاتَّبِعْها) أي : اتبع بغاية جهدك شريعتك الثابتة بالحجج (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ) أي : آراء (الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي : لا علم لهم أو لهم علم لكنهم يعملون عمل من ليس لهم علم أصلا من كفار العرب وغيرهم ، قال الكلبي : «إن رؤساء قريش قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم وهو بمكة : ارجع إلى دين آبائك فهم كانوا أفضل منك وأسن فأنزل الله تعالى هذه الآية».
ثم علل هذا النهي مهددا بقوله تعالى مؤكدا : (إِنَّهُمْ) وأكد النفي فقال عز من قائل (لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ) أي : لا يتجدد لهم نوع إغناء مبتدأ (مِنَ اللهِ) أي : المحيط بكل شيء قدرة وعلما (شَيْئاً) أي : من إغناء أي : إن اتبعتهم ، كما أنهم لن يقدروا لك على شيء من أذى إن خالفتهم وناصبتهم (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) أي : العريقين في هذا الوصف وهم الكفرة ، وكان الأصل : وإنهم ولكنه تعالى أظهر للإعلام بوصفهم (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) إذ الجنسية علة الانضمام فلا توالوهم باتباع أهوائهم (وَاللهُ) أي : الذي له صفات الكمال (وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) أي : الذين همهم الأعظم الاتصاف باتخاذ الوقايات المنجية لهم من سخط الله تعالى ، والمعنى : أن الظالمين يتولى بعضهم بعضا في الدنيا وأما في الآخرة فلا ولي لهم ينفعهم في إيصال الثواب وإزالة العقاب ، وأما المتقون المهتدون فالله سبحانه وليهم وناصرهم.
(هذا) أي : الوحي المنزل وهو القرآن (بَصائِرُ) أي : معالم (لِلنَّاسِ) أي : في الحدود والأحكام فيبصروا بها ما ينفعهم وما يضرهم (وَهُدىً) أي : قائد إلى كل خير مانع من كل زيغ (وَرَحْمَةٌ) أي : كرامة وفوز ونعمة (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أي : ناس فيهم قوة القيام بالوصول إلى العلم الثابت وتجديد الترقي في درجاته إلى ما لا نهاية له.
وقوله تعالى : (أَمْ حَسِبَ) منقطعة فتقدر ببل والهمزة أو ببل وحدها أو بالهمزة وحدها ومعنى الهمزة فيها : إنكار الحسبان (الَّذِينَ اجْتَرَحُوا) أي : اكتسبوا ومنه الجوارح وفلان جارحة أهله أي : كاسبهم وقال تعالى (وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) [الأنعام : ٦٠] (السَّيِّئاتِ) أي : الكفر والمعاصي (أَنْ نَجْعَلَهُمْ) أي : بما لنا من العظمة المانعة من الظلم المقتضية للحكمة (كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا) تصديقا لإقرارهم (الصَّالِحاتِ) أي : بأن نتركهم بغير حساب للفصل بين المحسن والمسيء.
ولما كانت المماثلة مجملة بينها استئنافا بقوله تعالى : (سَواءً) أي : مستو استواء عظيما (مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) أي : حياتهم وموتهم وزمان ذلك ومكانه في الارتفاع والسفول واللذة والكدر وغير ذلك من الأعيان والمعاني ، وقرأ حمزة والكسائي وحفص سواء بالنصب على الحال من الضمير المستتر في الجار والمجرور وهما كالذين آمنوا ، ويكون المفعول الثاني للجعل كالذين آمنوا أي : أحسبوا أن نجعلهم مثلهم في حال استواء محياهم ومماتهم ليس الأمر كذلك ، وقرأه الباقون بالرفع على أنه خبر ومحياهم ومماتهم مبتدأ ومعطوف والجملة بدل من الكاف والضميران للكفار ، والمعنى : أحسبوا أن نجعلهم في الآخرة في خير كالمؤمنين أي : في رغد من العيش مساو لعيشهم في الدنيا حيث قالوا للمؤمنين : لئن بعثنا لنعطي من الخير مثل ما تعطون ، قال تعالى على وفق إنكاره بالهمزة (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أي : ليس الأمر كذلك فهم في الآخرة في العذاب على خلاف عيشهم في الدنيا والمؤمنون في الآخرة في الثواب بأعمالهم الصالحات في الدنيا من الصلاة والزكاة والصيام وغير ذلك ، وما مصدرية أي : بئس حكما حكمهم هذا.