الرسل تلاوة مستعلية (عَلَيْكُمْ) لا تقدرون على دفع شيء منها.
تنبيه : حذف المقول المعطوف عليه كما تقرر اكتفاء بالمقصود واستغناء بالقرينة (فَاسْتَكْبَرْتُمْ) أي : فتسبب عن تلاوتها التي من شأنها إيراث الخشوع والإخبات والخضوع إن طلبتم الكبر لأنفسكم أوجدتموه على رسلي وآياتي (وَكُنْتُمْ قَوْماً) أي : ذوي قيام وقدرة على ما تحاولونه (مُجْرِمِينَ) أي : عريقين في قطع ما يستحق الوصل وذلك هو الخسران المبين.
(وَإِذا) أي : وكنتم إذا (قِيلَ) أي : من أي قائل كان ولو على سبيل التأكيد (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) أي : الذي كل أحد يعلم أنه محيط بصفات الكمال (حَقٌ) أي : ثابت لا محيد عنه مطابق للواقع من البعث وغيره لأن أقل الملوك لا يرضى بأن يخلف وعده فكيف به سبحانه وتعالى فكيف إذا كان الإخلاف فيه متناقضا للحكم وقرأ (وَالسَّاعَةُ) حمزة بالنصب عطفا على وعد الله ، والباقون برفعها وفيه ثلاثة أوجه ؛ أحدها : الابتداء وما بعدها من الجملة المنفية وهو قوله تعالى (لا رَيْبَ) أي : لا شك (فِيها) خبرها ، ثانيها : العطف على محل اسم إن لأنه قبل دخولها مرفوع بالابتداء ، ثالثها : أنه عطف على محل إن واسمها معا لأن بعضهم كالفارسي والزمخشري يرون أن لأن واسمها موضعا وهو الرفع بالابتداء (قُلْتُمْ) أي : راضين لأنفسكم بحضيض الجهل (ما نَدْرِي) أي : الآن دراية علم ولو بذلنا جهدنا في محاولة الوصول إليه (مَا السَّاعَةُ) أي : لا نعرف حقيقتها فضلا عما تخبروننا به من أحوالها.
تنبيه : الساعة هنا مرفوعة باتفاق (إِنَ) أي : ما (نَظُنُ) أي : نعتقد ما تخبروننا به عنها (إِلَّا ظَنًّا) وأما وصوله إلى درجة العمل فلا (وَما نَحْنُ) وأكدوا النفي فقالوا (بِمُسْتَيْقِنِينَ) أي : بموجود عندنا اليقين في أمرها ، قال الرازي : القوم كانوا في هذه المسألة على قولين : منهم من كان قاطعا بنفي البعث والقيامة وهم المذكورون في قوله تعالى (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) ومنهم من كان شاكا متحيرا فيه لأنهم لكثرة ما سمعوه من الرسل عليهمالسلام ولكثرة ما سمعوه من دلائل القول بصحته صاروا شاكين فيه وهم المذكورون في هذه الآية ، ويدل على ذلك أنه حكى تعالى مذهب أولئك القاطعين ثم أتبعه بحكاية قول هؤلاء فوجب كون هؤلاء مغايرين للفريق الأول.
ولما وصلوا إلى حد عظيم من العناد التفت إلى أسلوب الغيبة إعراضا عنهم إيذانا بشدة الغضب عليهم فقال تعالى : (وَبَدا) أي : ولم يزالوا يقولون ذلك إلى أن بدت لهم الساعة بما فيها من الأوجال والزلازل والأهوال وظهر (لَهُمْ) غاية الظهور (سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) في الدنيا فتمثلت لهم وعرفوا مقدار جزائها واطلعوا على جميع ما يلزم على ذلك (وَحاقَ) أي : أحاط (بِهِمْ) على حال القهر والغلبة قال أبو حيان : ولا يستعمل إلا في المكروه (ما كانُوا) جبلة وطبعا (بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي : يوجدون الهزء به على غاية الشهوة واللذة إيجاد من هو طالب لذلك ، وهذا كالدليل على أن هذه الفرقة لما قالوا إن نظن إلا ظنا إنما ذكروه استهزاء وسخرية فصار هذا الفريق أشر من الفريق الأول ، لأن الأولين كانوا منكرين وما كانوا مستهزئين وهؤلاء ضموا إلى الإصرار على الإنكار الاستهزاء ، وقرأ حمزة في الوقف بتسهيل الهمزة بعد الزاي كالواو وله أيضا إبدالها ياء ونقل عنه أيضا غير ذلك.
(وَقِيلَ) أي : لهم على أفظع الأحوال وأشدها قولا لا معقب له فكأنه بلسان كل قائل