ومكروهة ومباحة : قال والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة ؛ فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة ، كالاشتغال بعلم النحو ، أو في قواعد التحريم فمحّرمة ، كمذهب القدرية والمجسمة والرافضة ، قال : والردّ على هؤلاء من البدع الواجبة ، أو فى قواعد المندوب ، فمندوبة كبناء الربط والمدارس ، وكل إحسان لم يحدث في العصر الأوّل كصلاة التراويح ، أو في قواعد المكروه فمكروهة كزخرفة المساجد وتزويق المصاحف أو في قواعد المباح فمباحة ، كالمصافحة عقب الصبح والعصر والتوسع في المآكل والملابس. وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعيّ رضى الله تعالى عنه أنه قال : المحدثات ضربان ؛ أحدهما : ما خالف كتابا أو سنة أو إجماعا فهو بدعة وضلالة ، والثاني : ما أحدث من الخير فهو غير مذموم.
واختلف في تفسير قوله تعالى عن قوله عليه الصلاة والسلام : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) على وجهين ؛ أحدهما : أن يحمل ذلك على أحوال الدنيا والثاني : أن يحمل على أحوال الآخرة. أما الأوّل ؛ ففيه وجوه. أحدها : أنّ معناه لا أدري ما يصير إليه أمري وأمركم ، ومن الغالب منا ومن المغلوب. ثانيها : قال ابن عباس في رواية الكلبي : لما اشتد البلاء بأصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم بمكة : رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء فقصها على أصحابه فاستبشروا بذلك ورأوا أن ذلك فرج ما بهم من أذى المشركين. ثم إنهم مكثوا برهة من الدهر لا يرون أثر ذلك فقالوا يا رسول الله ما رأينا الذي قلت متى تهاجر إلى الأرض التي رأيتها في المنام؟ فسكت النبي صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله تعالى : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) هو شيء رأيته في المنام. (إِنْ) أي : ما (أَتَّبِعُ) أي : بغاية جهدي وجدّي (إِلَّا ما) أي : الذي (يُوحى) أي : يجدّد إلقاؤه ممن لا يوحى بحق سواه (إِلَيَ) على سبيل التدريج لا يطلع عليه حق اطلاعه غيري. ثالثها : قال الضحاك : لا أدري ما تؤمرون به ولا ما أومر به من التكاليف والشرائع ، ولا من الابتلاء والامتحان.
(وَما أَنَا) أي بإخباري لكم عما يوحى إليّ إلا نذير مبين أي بيّن الإنذار رابعها كأنه يقول ما أدري ما يفعل بي في الدنيا أموت أو أقتل كما قتل الأنبياء قبلي ولا أدري ما يفعل بكم أيها المكذبون أترمون بالحجارة من السماء أو يخسف بكم أو يفعل بكم ما يفعل بسائر الأمم قال السدّي ثم أخبره الله تعالى أنه يظهر دينه على الأديان بقوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) [التوبة : ٣٣] وقال في أمّته (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال : ٣٣] فأخبره الله تعالى بما يصنع به وبأمّته.
وأما من حمل الآية على أحوال الآخرة ، فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لما نزلت هذه الآية ، فرح المشركون والمنافقون واليهود. وقالوا : كيف نتبع نبيا لا يدري ما يفعل به ولا بنا؟ فأنزل الله تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) إلى قوله تعالى : (وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً) [الفتح : ١ ـ ٥] فقالت الصحابة : هنيئا لك يا رسول الله قد علمنا ما يفعل بك فما يفعل بنا؟ فأنزل الله عزوجل : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [الفتح : ٥] الآية وأنزل : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) [الأحزاب : ٤٧] فبين لهم ما يفعل به وبهم وبهذا قال أنس والحسن وعكرمة. وقالوا إنما قال هذا قبل أن يخبر بغفران ذنبه ، لأنه إنما أخبر به عام الحديبية فنسخ ذلك.