امرأة دفعت إليه وقد ولدت لستة أشهر فأمر برجمها ، فقال عمر : لا رجم عليها (١) ، وذكر الطريق المتقدمة وعن عثمان نحوه ، وأنه همّ بذلك ، فقرأ ابن عباس رضي الله عنهما عليه الآية. وأما مدة أكثر الحمل فليس في القرآن ما يدل عليه ، واختلف الأئمة في ذلك : فعند الشافعي أربع سنين.
وقوله تعالى : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) لا بد فيه من جملة محذوفة. تكون حتى غاية لها ، أي : عاش واستمّرت حياته حتى إذا بلغ أشده قال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عطاء : الأشد ثماني عشرة سنة ، وقيل : نهاية قوّته وغاية شبابه واستوائه ، وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى أربعين سنة فذلك قوله تعالى : (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) وقال السدي والضحاك : نزلت في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، وقيل : نزلت في أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه : وأبيه أبي قحافة عثمان بن عمرو وأمّه أم الخير بنت صخر بن عمرو وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه الآية في أبي بكر الصدّيق أسلم أبواه جميعا ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أبواه غيره ، أوصاه الله تعالى بهما ولزم ذلك من بعده ، وكان أبو بكر يصحب النبيّ صلىاللهعليهوسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة والنبيّ صلىاللهعليهوسلم ابن عشرين سنة في تجارته إلى الشام ، فلما بلغ أربعين سنة ، وتنبأ النبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ آمن به ثم آمن أبواه ، ثم ابنه عبد الرحمن ، وابن عبد الرحمن أبو عتيق ثم إنّ أبا بكر دعا ربه بأن (قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) أي : ألهمني ، وقرأ ورش والبزي : بفتح الياء في الوصل ، والباقون بسكونها (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ) أي : بها (عَلَيَ) أي : وعلى أولادي (وَعَلى والِدَيَ) وهي : التوحيد.
وأكثر المفسرين : على أنّ الأشد ثلاث وثلاثون. قال الرازي : مراتب الحيوان ثلاثة ؛ لأنّ بدن الحيوان لا يكون إلا برطوبة غريزية وحرارة غريزية والرطوبة الغريزية زائدة في أوّل العمر ناقصة في آخره. والانتقال من الزيادة إلى النقصان لا يعقل حصوله إلا إذا حصل الاستواء في وسط هاتين المدّتين ، فثبت أنّ مدّة العمر منقسمة إلى ثلاثة أقسام فأوّلها : أن تكون الرطوبة الغريزية زائدة على الحرارة الغريزية. وحينئذ تكون الأعضاء عظيمة التمدد في ذواتها وزيادتها في الطول والعرض والعمق وهذا هو سن النشء والثانية وهي المرتبة المتوسطة أن تكون الرطوبة الغريزية وافية بحفظ الحرارة الغريزية من غير زيادة ولا نقصان. وهذا هو سن الوقوف ، وهو حين الشباب.
والمرتبة الثالثة : أن تكون الرطوبة الغريزية ناقصة عن الوفاء بحفظ الحرارة الغريزية ثم هذا النقصان على قسمين فالأول : هو النقصان الخفي ، وهو سن الكهولة. والثاني : هو النقصان الظاهر ، وهو سن الشيخوخة.
قال المفسرون : لم يبعث نبيّ قط إلا بعد الأربعين سنة. قال الرازي : وهذا يشكل بعيسى عليهالسلام فإنه تعالى جعله نبيا من أوّل عمره ، إلا أنه يجب أن يقال : الأغلب أنه ما جاء الوحي إلا بعد الأربعين ، وهكذا كان الأمر في حق نبينا صلىاللهعليهوسلم. ثم إنّ أبا بكر دعا أيضا فقال : (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) قال ابن عباس : أجاب الله تعالى دعاء أبي بكر ، فأعتق تسعة من المؤمنين يعذبون
__________________
(١) أخرجه مالك في الحدود حديث ١١ ، بلفظ : أن عثمان بن عفان أتي بامرأة قد ولدت في ستة أشهر فأمر بها أن ترجم ، فقال له علي بن أبي طالب : ليس ذلك عليها ، إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) وقال : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) فالحمل يكون ستة أشهر ، فلا رجم عليها. فبعث عثمان بن عفان في أثرها فوجدت قد رجمت.