بالخوارق بقوله تعالى : (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) أي : خارجين عن طاعتنا.
(فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا) أي : على يد موسى عليهالسلام (مُبْصِرَةً) أي : بينة واضحة هادية إلى الطريق الأقوم (قالُوا هذا سِحْرٌ) أي : خيال لا حقيقة له (مُبِينٌ) أي : واضح في أنه خيال.
(وَجَحَدُوا بِها) أي : أنكروا كونها آيات موجبات لصدقه مع علمهم بإبطالهم لأنّ الجحود الإنكار مع العلم (وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) أي : علموا أنها من عند الله تعالى وتخلل علمها صميم قلوبهم ، فكانت ألسنتهم مخالفة لما في قلوبهم ولذلك أسند الاستيقان إلى النفس ، ثم علل جحدهم ووصفهم لها بخلاف وصفها بقوله تعالى : (ظُلْماً وَعُلُوًّا) أي : شركا وتكبرا عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى (فَانْظُرْ) يا أشرف الخلق (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) وهو الإغراق في الدنيا بأيسر سعي وأيسر أمر ، فلم يبق منهم عين تطرف ولم يرجع منهم مخبر على كثرتهم وعظمتهم وقوتهم ، والإحراق في الآخرة بالنار المؤبدة.
القصة الثانية قصة داود وسليمان عليهماالسلام المذكورة في قوله تعالى.
(وَلَقَدْ آتَيْنا) أي : بما لنا من العظمة (داوُدَ وَسُلَيْمانَ) ابنه وهما من أتباع موسى عليهمالسلام وبعده بأزمان متطاولة (عِلْماً) أي : جزأ من العلم عظيما من منطق الطير والدواب وتسبيح الجبال وغير ذلك لم نؤته لأحد من قبلهما ولما كان التقدير فعملا بمقتضاه ، عطف عليه قوله : (وَقالا) شكرا عليه ودلالة على شرف العلم وتنبيها لأهله على التواضع (الْحَمْدُ) أي : الإحاطة بجميع أوصاف الكمال (لِلَّهِ) أي : الذي لا كفء له (الَّذِي فَضَّلَنا) أي : بما آتانا من النبوّة والكتاب وتسخير الشياطين والجنّ والإنس وغير ذلك (عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) أي : ممن لم يؤت علما أو مثل علمهما ، وفي ذلك تحريض للعالم أن يحمد الله تعالى على ما آتاه من فضله ويعتقد أنه وإن فضل على كثير فقد فضل عليه كثير ، فلا يتكبر ولا يفتخر ويشكر الله تعالى ، وينفع به المسلمين كما نفعه الله تعالى به.
ثم إنه تعالى أشار إلى فضل سليمان بأنه جمع إلى ما آتاه ما كان منح به أباه بقوله تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) أباه عليهماالسلام دون سائر أولاده وكان لداود تسعة عشر ابنا فأعطى سليمان ما أعطى داود من الملك وزيد له تسخير الريح وتسخير الشياطين ، قال مقاتل : كان سليمان أعظم ملكا من داود وأقضى منه ، وكان داود أشد تعبدا من سليمان ، وكان سليمان شاكرا لنعم الله تعالى (وَقالَ) تحدّثا بنعمة ربه ومنبها على ما شرّفه الله تعالى به ليكون أجدر في قبول الناس ما يدعوهم إليه من الخير (يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا) أي : أنا وأبي بأيسر أمر وأسهله (مَنْطِقَ الطَّيْرِ) أي : فهم ما يريده كل طائر إذا صوّت ، فسمى صوت الطير منطقا لحصول الفهم منه كما يفهم من كلام الناس.
روي عن كعب الأحبار أنه قال : صاح ورشان عند سليمان عليهالسلام فقال أتدرون ما يقول : قالوا : لا قال : إنه يقول : لدوا للموت وابنوا للخراب ، وصاحت فاختة فقال : أتدرون ما تقول قالوا : لا قال : فإنها تقول : ليت ذا الخلق لم يخلقوا ، وصاح طاووس فقال أتدرون ما يقول : قالوا : لا قال : فإنه يقول : كما تدين تدان ، وصاح هدهد فقال أتدرون ما يقول؟ قالوا : لا قال : فإنه يقول : من لا يرحم لا يرحم ، وصاح صرد فقال : أتدرون ما يقول؟ قالوا لا قال فإنه يقول : استغفروا الله يا مذنبين ، وصاح طيطوى فقال : أتدرون ما يقول؟ قالوا لا قال فإنه يقول : كل حيّ