منقول عن عليّ بن أبي طالب ، أو أنّ المراد ليطيعوا وينقادوا لقضائي ، فالمؤمن يفعل ذلك طوعا والكافر يفعل ذلك كرها ، أو أنّ المراد إلا ليوحدون فأمّا المؤمن فيوحد اختيارا في الشدّة والرخاء ، وأمّا الكافر فيوحد اضطرارا في الشدّة والبلاء دون النعمة والرخاء. وقال مجاهد : معناه إلا ليعرفون قال البغوي : وهذا أحسن لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده بدليل قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [الزخرف : ٨٧] وقيل : المراد به الخصوص أي : ما خلقت السعداء من الجنّ والإنس إلا لعبادتي ، والأشقياء منهم إلا لمعصيتي. قال زيد بن أسلم : قال هو ما جبلوا عليه من السعادة والشقاوة ، ويؤيده قوله تعالى (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) [الأعراف : ١٧٩] وقيل : وما خلقت الجنّ والإنس المؤمنين وقيل : الطائعين.
تنبيه : استدلّ المعتزلة بهذه الآية على أنّ أفعال الله تعالى معللة بالأغراض وأجيبوا بوجوه منها : أنّ اللام قد ثبتت لغير الغرض كقوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) [الإسراء : ٧٨] وقوله تعالى (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) [الطلاق : ١] ومعناه المقارنة فيكون معناه قرنت الخلق بالعبادة أي خلقتهم وفرضت عليهم العبادة ومنها قوله تعالى (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الرعد : ١٦] ومنها ما يدلّ على أنّ الإضلال بفعل الله كقوله تعالى (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) [الرعد : ٢٧] وأمثاله ، ومنها قوله تعالى (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) [الأنبياء : ٢٣] وقوله تعالى (يَفْعَلُ ما يَشاءُ) [آل عمران : ٤٠](يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) [المائدة : ١] فإن قيل : ما الحكمة في أنه لم يذكر الملائكة مع أنهم من أصناف المكلفين وعبادتهم أكثر من عبادة غيرهم من المكلفين قال تعالى : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) [الأنبياء : ٢٦] وقال تعالى (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) [الأعراف : ٢٠٦] أجيب بوجوه.
أحدها : أنّ الآية سيقت لبيان قبح ما يفعله الكفرة من ترك ما خلقوا له وهذا مختص بالجنّ والإنس ، لأنّ الكفر موجود فيهما دون الملائكة. ثانيها : أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان مبعوثا إلى الجنّ والإنس فلما قال تعالى : (وَذَكِّرْ) بين ما يذكر به ، وهو كون الخلق للعبادة وخصص أمّته بالذكر أي ذكر الجنّ والإنس ثالثها : أن عباد الأصنام كانوا يقولون إنّ الله تعالى عظيم الشأن خلق الملائكة وجعلهم مقربين فهم يعبدون الله تعالى وخلقهم لعبادته ، ونحن لنزول درجتنا لا نصلح لعبادة الله تعالى فنعبد الملائكة وهم يعبدون الله تعالى كما قالوا (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] فقال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ولم يذكر الملائكة لأن الأمر فيهم كان مسلما من القوم فذكر المنازع فيه. رابعها : فعل الجنّ يتناول الملائكة لأنّ أصل الجنّ من الاستتار وهم مستترون عن الخلق فذكر الجنّ لدخول الملائكة فيهم.
ولما خص سبحانه خلقهم في إرادة العبادة صرّح بهذا المفهوم بقوله تعالى : (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ) أي : في وقت من الأوقات وعمم في النفي بقوله تعالى : (مِنْ رِزْقٍ) أي : شيء من الأشياء على وجه ينفعني من جلب أو دفع ، لأني منزه عن لحاق نفع أو ضر كما يفعل غيري من الموالي مع عبيدهم ، فإنّ ملاك العبيد إنما يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصل معايشهم وأرزاقهم ، فإمّا مجهز في تجارة ليفيء ربحا ، أو مرتب في فلاحة ليغتل أرضا ، أو مسلم في حرفة لينتفع بأجرته ، أو محتطب أو محتش أو مستق أو طابخ أو خابز وما أشبه ذلك من الأعمال والمهن التي هي تصرّف في أسباب المعيشة وأبواب الرزق لأني الغني المطلق وكل شيء مفتقر إليّ.
(وَما أُرِيدُ) أصلا (أَنْ يُطْعِمُونِ) أي : أن يرزقون رزقا خاصا هو الإطعام وفيه تعريض