مصارينهم ، فخرجت من أدبارهم وهو جمع معى بالقصر وألفه عن ياء لقولهم معيان.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) أي : في خطب الجمعة ، وهم المنافقون والضمير في قوله تعالى (وَمِنْهُمْ) يحتمل أن يعود إلى الناس كما قال تعالى في سورة البقرة (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) [البقرة : ٨] بعد ذكر الكفار ويحتمل أن يعود إلى أهل مكة ؛ لأنّ ذكرهم سبق في قوله تعالى (هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) ويحتمل أن يرجع إلى معنى قوله تعالى (هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً) أي : ومن الخالدين في النار قوم يستمعون إليك (حَتَّى إِذا) أي : واستمر جهلهم لأنفسهم في الإصغاء حتى إذا (خَرَجُوا) أي : المستمعون والسامعون (مِنْ عِنْدِكَ قالُوا) أي : الفريقان تعاميا واستهزاء. (لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) بسبب تهيئة الله تعالى لهم من صفاء الأفهام بتجردهم عن النفوس والحظوظ ، وانقيادهم لما تدعو إليه الفطرة الأولى. منهم ابن مسعود وابن عباس (ما ذا قالَ) أي : النبيّ صلىاللهعليهوسلم (آنِفاً) أي : قبل افتراقنا وخروجنا عنه روى مقاتل : «أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان يخطب ويعيب المنافقين فإذا خرجوا من المسجد سألوا عبد الله بن مسعود استهزاء ماذا قال محمد آنفا» (١) أي الساعة ، أي : لا نرجع إليه وقرأ البزي بقصر الهمزة بخلاف عنه والباقون بالمدّ وهما لغتان بمعنى واحد وهما اسما فاعل كحاذر وحذر ، (أُولئِكَ) أي : البعداء من كل خير (الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ) أي : الملك الأعظم (عَلى قُلُوبِهِمْ) أي : بالكفر فلم يفهموا فهم انتفاع ؛ لأنّ مثل هذا الجمود لا يكون إلا بذلك (وَاتَّبَعُوا) أي : بغاية جهدهم
(أَهْواءَهُمْ) أي : في الكفر والنفاق ، فلذلك هم يتهاونون بأعظم الكلام ، ويقبلون على جمع الحطام ، فهم أهل النار المشار إليهم قبل آية (مَثَلُ الْجَنَّةِ) بأنهم (زين لهم سوء عملهم).
ثم ذكر تعالى أضداد هؤلاء. بقوله سبحانه : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا) أي : اجتهدوا باستماعهم منك في الإيمان ، والتسليم والإذعان بأنواع المجاهدات وهم المؤمنون. (زادَهُمْ) أي : الله الذي طبع على قلوب الكفرة ، (هُدىً) بأن شرح صدورهم ، ونورها بأنوار المشاهدات ، فصارت أوعية للحكمة (وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) أي : ألهمهم ما يتقون به النار ، قال ابن برجان : التقوى عمل الإيمان كما أن أعمال الجوارح عمل الإسلام.
(فَهَلْ) أي : ما (يَنْظُرُونَ) أي : ينتظرون وجودها إشارة إلى شدة قربها. (إِلَّا السَّاعَةَ) وقوله تعالى : (أَنْ تَأْتِيَهُمْ) أي : الكافرين بدل اشتمال من الساعة أي : ليس الأمر إلا أن تأتيهم (بَغْتَةً) أي : فجأة من غير شعور بها ، ولا استعداد لها. وقوله تعالى : (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) جمع شرط بسكون الراء وفتحها قال أبو الأسود (٢) :
فإن كنت قد أزمعت بالصرم بيننا |
|
فقد جعلت أشراطا وله تبدو |
والأشراط : العلامات ومنه أشراط الساعة وأشرط الرجل نفسه أي ألزمها أمورا قال أوس (٣) :
فأشرط فيها نفسه وهو يقسم |
|
فألقى بأسباب له وتوكلا |
__________________
(١) انظر البغوي في تفسيره ٤ / ٢١٣.
(٢) البيت من الطويل ، وهو في ديوان أبي الأسود الدؤلي ص ٢١٣.
(٣) البيت من الطويل ، وهو لأوس بن حجر في ديوانه ص ٨٧ ، ولسان العرب (شرط) (عصم) ، وجمهرة اللغة ص ٧٢٦ ، وكتاب العين ٦ / ٢٣٦.