(أَمْ يَقُولُونَ) أي : كفار قريش (نَحْنُ جَمِيعٌ) أي جمع واحد مبالغ في اجتماعه فهو في الغاية من الضم فلا افتراق له (مُنْتَصِرٌ) أي على كل من يعاديه ، لأنهم على قلب رجل واحد ولم يقل منتصرون لموافقة رؤوس الآي.
ولما قال أبو جهل يوم بدر : إنا جميع منتصر نزل (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ) بأيسر أمر بوعد لا خلف فيه. وقال مقاتل : ضرب أبو جهل يوم بدر فرسه فتقدم من الصف وقال : نحن ننتصر اليوم على محمد وأصحابه فأنزل الله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) وقال سعيد بن المسيب : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : لما نزلت (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ،) كنت لا أدري أي جمع يهزم فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يثب في درعه ويقول : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) فهزموا ببدر ونصر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يقل الأدبار لموافقة رؤوس الآي.
(بَلِ السَّاعَةُ) أي : القيامة التي يكون فيها الجمع الأكبر والهول الأعظم (مَوْعِدُهُمْ) أي : للعذاب (وَالسَّاعَةُ أَدْهى) أي من كل ما يفرض وقوعه في الدنيا وأدهى أفعل تفضيل من الداهية ، وهي أمر هائل لا يهتدي لدوائه فهي أمر عظيم ؛ يقال : دهاه أمر كذا أي أصابه دهوا ودهيا ؛ وقال ابن السكيت دهته داهية دهواء ودهياء وهي توكيد لها وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة محضة ، وقرأ ورش بالفتح وبين اللفظين والباقون بالفتح (وَأَمَرُّ) لأنّ عذابها للكفار غير مفارق ولا مزايل فهي أعظم نائبة وأشد مرارة من الأسر والقتل يوم بدر وفي رواية : أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان يثب في درعه ويقول : اللهمّ إن قريشا جادلتك وتجاهر رسولك بفخرها بخيلها فأخنهم الغداة. يقال : أخنى عليه الدهر أي غلبه وأهلكه ومنه قول النابغة (١) : [من البسيط]
أخني عليها الذي أخنى على لبد
وأخنيت عليه أفسدت ثم قال : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) قال عمر : فعرفت تأويلها وهذا من معجزات رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لأنّه أخبر عن غيب فكان كما أخبر ؛ قال ابن عباس : كان بين نزول هذه الآية وبين بدر سبع سنين. فالآية على هذا مكية وفي البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت : «لقد أنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم بمكة وإني لجارية ألعب» (٢)(بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) وعن ابن عباس أنه صلىاللهعليهوسلم قال وهو في قبة له يوم بدر : أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا ، فأخذ أبو بكر بيده وقال : حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك وهو في الدرع فخرج وهو يقول : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) يريد يوم القيامة (وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) مما لحقهم يوم بدر» (٣).
(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) أي : المشركين القاطعين لما أمر الله تعالى أن يوصل (فِي ضَلالٍ) أي : ك بالقتل في الدنيا (وَسُعُرٍ) أي : نار مسعرة أي مهيجة في الآخرة وقيل : (فِي ضَلالٍ) أي :
__________________
(١) صدره :
أمست خلاء وأمس أهلها احتملوا
والبيت من البسيط ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ١٦ ، وجمهرة اللغة ص ١٠٥٧ ، وخزانة الأدب ٤ / ٥ ، والدرر ٢ / ٥٧ ، ولسان العرب (لبد) ، (خنا).
(٢) أخرجه البخاري في تفسير القرآن حديث ٤٨٧٦.
(٣) أخرجه البخاري في تفسير القرآن حديث ٤٨٧٧.