رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٣) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٧٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٥) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (٧٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٧) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٧٨))
(وَمِنْ دُونِهِما) أي : من أدنى مكان ورتبة تحت جنتي هؤلاء المحسنين المقربين (جَنَّتانِ) أي : لكل واحد ممن دون هؤلاء المحسنين من الخائفين ، وهم أصحاب اليمين ؛ وقال أبو موسى الأشعري : جنتان من ذهب للسابقين ، وجنتان من فضة للتابعين ؛ وقال ابن جريج هي أربع جنان جنتان للمقرّبين السابقين فيهما من كل فاكهة زوجان ؛ وجنتان : لأصحاب اليمين والتابعين فيهما فاكهة ونخل ورمان. وقال الكسائي ومن دونهما أي أمامهما وقبلهما يدلّ عليه قول الضحاك : الجنتان الأوليان من ذهب وفضة والأخريان من ياقوت ؛ وعلى هذا فهما أفضل من الأوليين ؛ وإلى هذا القول ذهب أبو عبد الله الترمذي الحكيم في نوادر الأصول. وقال : ومعنى (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) أي : دون هذا إلى العرش أي : أقرب وأدنى إلى العرش. وقال مقاتل : الجنتان الأوليان جنة عدن ، وجنة النعيم ، والأخريان جنة الفردوس ، وجنة المأوى.
(فَبِأَيِّ آلاءِ) أي : نعم (رَبِّكُما) أي : المحسن بنعمه لجميع خلقه (تُكَذِّبانِ) أبشيء مما تفضل به عليكم أم بغيره؟.
ثم وصف تلك الجنتين بقوله تعالى : (مُدْهامَّتانِ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : خضراوان. وقال مجاهد : سوداوان لأنّ الخضرة إذا اشتدت تضرب إلى السواد ، وهذا مشاهد بالنظر ولذلك قالوا : سواد العراق لكثرة شجره وزرعه ، والأرض إذا اخضرّت غاية الخضرة تضرب إلى سواد ؛ قال الرازي : والتحقيق فيه أنّ ابتداء الألوان هو البياض وانتهاءها هو السواد فإن الأبيض يقبل كل لون والأسود لا يقبل شيئا من الألوان.
(فَبِأَيِّ آلاءِ) أي : نعم (رَبِّكُما) أي : المحسن إليكما بالرزق وغيره (تُكَذِّبانِ) أبشيء من تلك النعم أم بغيرها؟
ثم وصف تلك الجنتين أيضا بقوله تعالى : (فِيهِما) أي : في جنتي كل شخص منهم (عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ) قال ابن عباس : أي : فوّارتان بالماء ، والنضخ بالخاء المعجمة أكثر من النضح بالحاء المهملة لأنّ النضح بالمهملة الرشح والرش ، وبالمعجمة فوران الماء وقال مجاهد : المعنى نضاختان بالخير والبركة ، وعن ابن مسعود : تنضخ على أولياء الله تعالى بالمسك والكافور والعنبر في دور أهل الجنة كما ينضخ رش المطر ، وقال سعيد بن جبير بأنواع الفواكه والماء.
(فَبِأَيِّ آلاءِ) أي : نعم (رَبِّكُما) المربي البليغ الحكمة في التربية (تُكَذِّبانِ) أبتلك النعمة أم بغيرها؟.
ثم وصف الجنتين أيضا بقوله تعالى : (فِيهِما فاكِهَةٌ) وخص أشرفها وأكثرها وجدانا في الخريف والشتاء ، كما في جنان الدنيا التي جعلت مثالا لهاتين بقوله تعالى : (وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) فإن كلا منهما فاكهة وأدام ، فلهذا خصا تشريفا وتنبيها على ما فيهما من التفكه ، وأولهما أعمّ نفعا ، وأعجب خلقا ، ولذا قدمه فعطفهما على الفاكهة من باب ذكر الخاص بعد العامّ تفضيلا له ؛ كقوله تعالى : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : ٩٨] وقوله تعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) [البقرة : ٢٣٨].