(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي : أقرّوا بألسنتهم (أَطِيعُوا اللهَ) أي : الملك الأعظم تصديقا لدعواكم طاعة لشدّة الاجتهاد فيها أنها خالصة ، وعظم الرسول صلىاللهعليهوسلم بإفراده فقال تعالى : (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) لأنّ طاعته من طاعة الذي أرسله ، فإذا فعلتم ذلك حصنتم أنفسكم وأعمالكم ، فتكون صحيحة ببنائها على الطاعة بتصحيح النيات وتصفيتها مع الإحسان للصورة في الظاهر ، ليستكمل العمل صورة وروحا (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) قال عطاء بالشك والنفاق. وقال الكلبي : بالرياء والسمعة. وقال الحسن : بالمعاصي والكبائر. وقال أبو العالية : «كان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يرون أنه لا يضرّ مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل ، فنزلت هذه الآية» فخافوا الكبائر أن تحبط الأعمال. وقال مقاتل : لا تمنوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فتبطلوا أعمالكم نزلت في بني أسد. قال تعالى (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) [البقرة : ٢٦٤] وعن حذيفة فخافوا أن تحبط الكبائر أعمالهم. وعن ابن عمر : كنا نرى أنه ليس شيء من حسناتنا إلا مقبولا حتى نزل (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) فقلنا ما هذا الذي يبطل أعمالنا فقلنا الكبائر الموجبات والفواحش ، حتى نزل (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] فكففنا عن القول في ذلك ، فكنا نخاف على من أصاب الكبائر ونرجو لمن لم يصبها. وعن قتادة : رحم الله عبدا لم يحبط عمله الصالح بعمله السيء. وعن ابن عباس : لا تبطلوا بالرياء والسمعة أعمالكم. وعنه أيضا : بالشك والنفاق. وقيل بالعجب ، فإنّ العجب يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : أوقعوا الكفر بفعلهم فعل الساتر لما دل عليه العقل من آيات الله المرئية والمسموعة (وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي : الملك الأعلى عن الواضح المستقيم الموصل إلى كل ما ينبغي أن يقصد كل من أراد بتماديهم على باطلهم وأذاهم لمن خالفهم (ثُمَّ ماتُوا) بعد المدّ لهم في مضمارهم بالتطويل في أعمارهم (وَهُمْ) أي : والحال أنهم (كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ) أي : المحيط بجميع صفات الكمال الذي يمنع من تسوية المسيء بالمحسن (لَهُمْ) فلا يمحو ذنوبهم ولا يستر عيوبهم ، بل يفضح سرائرهم ويردّهم على أعقابهم في كل ما يتقلبون فيه ، لأنهم قد أبطلوا أعمالهم بالخروج عن دائرة الطاعة فلم يبق لهم ما يغفر لهم تسببه ، وقد دلت هذه الآية على ما دلت عليه آية البقرة من أنّ إحباط العمل في المرتدّ مشروط بالموت على الكفر قيل : نزلت في أصحاب القليب قال الزمخشريّ : والظاهر العموم.
ثم رغب تعالى في لزوم الجهاد محذرا من تركه بقوله تعالى : (فَلا تَهِنُوا) أي : تضعفوا ضعفا يؤدّي بكم إلى الهوان والذلّ (وَتَدْعُوا) أعداءكم (إِلَى السَّلْمِ) أي : المسالمة وهي الصلح (وَأَنْتُمُ) أي : والحال أنكم (الْأَعْلَوْنَ) أي : الظاهرون الغالبون قال الكلبي : آخر الأمر لكم وإن غلبوكم في بعض الأوقات. وأصل الأعلون الأعليون فأعلّ وقرأ حمزة وشعبة بكسر السين والباقون بفتحها ثم عطف على الحال قوله تعالى (وَاللهُ) أي : الملك الأعظم الذي لا يعجزه شيء ولا كفء له (مَعَكُمْ) أي : بنصره ومعونته وجميع ما يفعله الكريم إذا كان مع عبده ومن علم أنه سيده وعلم أنه قادر على ما يريد لم يبال بشيء أصلا (وَلَنْ يَتِرَكُمْ) أي : ينقصكم (أَعْمالَكُمْ) أي : ثوابها كما يفعل مع أعدائكم في إحباط أعمالهم ، لأنكم لم تبطلوا أعمالكم بجعل الدنيا محط أمركم.
(إِنَّمَا الْحَياةُ) وأشار إلى دناءتها تنفيرا عنها بقوله : (الدُّنْيا) أي : الاشتغال بها (لَعِبٌ)