وقال بعض العلماء : ليس ذلك من الفاكهة. ولهذا قال أبو حنيفة : إذا حلف لا يأكل الفاكهة فأكل رطبا أو رمانا لم يحنث ، وخالفه صاحباه. وقال القرطبي : وقيل : إنما كررها لأنّ النخل والرمان كانا عندهم في ذلك الوقت بمنزلة البر عندنا ، لأن النخل عامة قوتهم ، والرمان كالثمرات فكان يكثر غرسها عندهم لحاجتهم إليه ، وكانت الفواكه عندهم من ألوان الثمار التي يعجبون بها فإنما ذكر الفاكهة ثم ذكر النخل والرمان لعمومها وكثرتها عندهم من المدينة إلى مكة إلى ما والاها من أرض اليمن فأخرجهما من الذكر من الفواكه وأفرد الفواكه على حدتها.
وقيل : أفردا بالذكر لأنّ النخل ثمره فاكهة وطعام ، والرمان فاكهة ودواء فلم يخلصا للتفكه قال البغوي : وعن ابن عباس قال : نخل الجنة جذوعها زمرّد أخضر وورقها ذهب أحمر ، وسعفها كسوة أهل الجنة منها مقطعاتهم وحللهم وثمرها أمثال القلال والدلاء ، أشدّ بياضا من اللبن وأحلى من العسل ، وألين من الزبد ليس له عجم.
وروي أنّ الرمانة من رمان الجنة ملء جلد البعير المقتب ؛ وقيل : إنّ نخل الجنة نضيد ، وثمرها كالقلال كلما نزعت عادت مكانها أخرى ؛ العنقود منها اثنا عشر ذراعا.
(فَبِأَيِّ آلاءِ) أي نعم (رَبِّكُما) المحسن إلى الثقلين بجليل التربية (تُكَذِّبانِ) أبتلك النعم أم بغيرها مما أحسن به إليكم؟.
(فِيهِنَ) أي : الجنان الأربع ، أو الجنتين وقصورهما (خَيْراتٌ حِسانٌ) أي : نساء الواحدة خيرة على معنى ذوات خير ، وقيل : خيرات بمعنى خيرات فخفف كهين ولين.
روى الحسن عن أمّه عن أم سلمة : قالت : «قلت لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا رسول الله أخبرني عن قوله تعالى : (خَيْراتٌ حِسانٌ ؛) قال : خيرات الأخلاق حسان الوجوه» (١). وقال أبو صالح :
لأنهنّ عذارى أبكار ؛ قال الحكيم الترمذي : فالخيرة ما اختارهنّ الله تعالى فأبدع خلقهنّ باختياره ، فاختيار الله تعالى لا يشبهه اختيار الآدميين ، فوصفهنّ بالحسن فإذا وصف الله تبارك وتعالى خالق الحسن شيئا بالحسن فانظر ما هناك وقال الرازي : في باطنهنّ الخير وفي ظاهرهنّ الحسن.
(فَبِأَيِّ آلاءِ) أي : نعم (رَبِّكُما) أي : الكامل الإحسان إليكما (تُكَذِّبانِ) أبنعمة ما جعل لكم من الفواكه أم غيرها؟.
ثم زاد في وصفهنّ بقوله تعالى : (حُورٌ) جمع حوراء وهي الشديدة سواد العين الشديدة بياضها (مَقْصُوراتٌ) والمقصورات المحبوسات المستورات (فِي الْخِيامِ) وهي الحجال ، فلسن بالطوّافات في الطرق ؛ قاله ابن عباس ، والنساء تمدح بملازمتهنّ البيوت كما قال قيس بن الأسلت (٢) :
وتكسل عن جيرانها فيزرنها |
|
وتعتل من إتيانهنّ فتعذر |
ويقال امرأة مقصورة وقصيرة وقصورة بمعنى واحد ، قال كثير عزة (٣) :
__________________
(١) أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ١٠ / ٥٤٤ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٧ / ١١٩ ، ١٠ / ٤١٧ ، والسيوطي في الدر المنثور ٦ / ١٥١ ، وابن كثير في تفسيره ٨ / ١٠ ، والطبري في تفسيره ٢٧ / ٩٢.
(٢) البيت من الطويل ، وهو لأبي قيس بن الأسلت في الأغاني ١٧ / ١٣٣ ، وبلا نسبة في أساس البلاغة (أطر).
(٣) البيتان من الطويل ، وهما في ديوان عزة ص ٣٦٩ ، والدرر ٢ / ٢٥ ، والمعاني الكبير ص ٥٠٥.