سورة الواقعة
مكية ، في قول الحسن وعكرمة وجابر وعطاء ؛ وقال ابن عباس وقتادة : إلا آية منها نزلت بالمدينة وهي قوله تعالى : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) وقال الكلبي : مكية إلا أربع آيات ؛ منها آيتان (أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) نزلتا في سفره إلى مكة ؛ وقوله تعالى : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) نزلتا في سفره إلى المدينة ، وقدّمنا أنّ في المدني والمكي اصطلاحين ، وأنّ المشهور أنّ المكي ما نزل قبل الهجرة ؛ والمدني ما نزل بعدها وهي ست وتسعون آية ؛ قال الجلال المحلي : وهي ست أو سبع أو تسع وتسعون آية وثلاثمئة وثمان وتسعون كلمة ، وألف وسبعمائة وثلاثة أحرف.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
(بِسْمِ اللهِ) الذي له الكمال كله ففاوت بين الناس في الأحوال (الرَّحْمنِ) الذي عم بنعمة البيان وفاضل في قبولها بين أهل الإدبار وأهل الإقبال (الرَّحِيمِ) الذي قرب أهل حزبه ففازوا بمحاسن الأقوال والأفعال.
ولما قسم سبحانه الناس في تلك السورة إلى ثلاثة أصناف مجرمين وسابقين ولاحقين ، شرح أحوالهم في هذه السورة وبين الوقت الذي يظهر فيه إكرامه وانتقامه بقوله تعالى :
(إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (٢) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (٣) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (٦) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (٧) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (٩) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (١٦) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (٢٦))
(إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) أي : التي لا بد من وقوعها ولا واقع يستحق أن يسمى الواقعة بلام الكمال وتاء المبالغة غيرها ، وهي النفخة الثانية التي يكون عنها البعث الأكبر الذي هو القيامة الجامعة لجميع الخلق ، فسميت واقعة لتحقق وقوعها ، وقيل : لكثرة ما يقع فيها من الشدائد ، وانتصاب إذا بمحذوف مثل اذكر أو كان كيت وكيت ، وقال الجرجاني : إذا صلة كقوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) [القمر : ١] و (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١] وهو كما يقال : جاء الصوم أي دنا وقرب