من أيام الدنيا أولها الأحد وآخرها الجمعة سنا للتأني في الأمور وتقديرا للأيام التي أوترها سابعها الذي خلق فيه الإنسان الذي دل يوم خلقه باسمه الجمعة على أنه المقصود بالذات وبأنه السابع نهاية المخلوقات وقوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) أي : السرير كناية عن انفراده بالتدبير وإحاطة قدرته وعلمه ، كما يقال في ملوكنا جلس فلان على سرير الملك بمعنى : أنه انفرد بالتدبير لا يكون هناك سرير فضلا عن جلوس وأتى بأداة التراخي تنبيها على عظمته (يَعْلَمُ ما يَلِجُ) أي : يدخل دخولا يغيب فيه (فِي الْأَرْضِ) أي : من النبات وغيره من أجزاء الأموات وغيرها وإن كان ذلك في غاية البعد فإنّ الأماكن كلها بالنسبة إليه تعالى على حد سواء في القرب والبعد (وَما يَخْرُجُ مِنْها) كذلك.
تنبيه : في التعبير بالمضارع دلالة على ما أودع في الخافقين من القوى فصارا بحيث يتجدد منهما ذلك بخلقه تجدّدا مستمرّا إلى حين خرابهما (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) من الوحي والأمطار والحرّ والبرد وغيرها من الأعيان والمنافع التي يوجدها سبحانه وتعالى من مقادير أعمار بني آدم وأرزاقهم وغيرها من جميع شؤونهم (وَما يَعْرُجُ) أي : يصعد ويرتقي ويغيب (فِيها) كالأبخرة والأنوار والكواكب والأعمال وغيرها ولم يجمع السماء لأنّ المقصود حاصل بالواحدة مع إفهام التعبير بها الجنس الشامل للكل (وَهُوَ مَعَكُمْ) بالعلم والقدرة أيها الخلق (أَيْنَ ما كُنْتُمْ) لا ينفك علمه وقدرته عنكم بحال فهو عالم بجميع أموركم وقادر عليكم تعالى الله عن اتصال بالعالم ومماسة أو انفصال عنه بغيبة أو مسافة (وَاللهُ) أي : المحيط بجميع صفات الكمال (بِما تَعْمَلُونَ) أي : على سبيل التجدّد والاستمرار (بَصِيرٌ) أي : عالم بجليله وحقيره فيجازيكم به وقدم الجار لمزيد الاهتمام والتنبيه على تحقيق الإحاطة (لَهُ) أي : وحده (مُلْكُ السَّماواتِ) وجمع لاقتضاء المقام له (وَالْأَرْضِ) وأفرد لخفاء تعدّدها عليهم مع إرادة الجنس ، ودل على إرادة ملكه وإحاطته بقوله تعالى : (وَإِلَى اللهِ) أي : الملك الذي لا كفؤ له وحده (تُرْجَعُ) بكل اعتبار على غاية السهولة (الْأُمُورُ) أي : كلها حسابا لبعث ومعنى بالابتداء والإفناء ودل على ذلك بقوله تعالى : (يُولِجُ) أي : يدخل ويغيب بالنقص والمحو (اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) فإذا هو قد قصر بعد طوله وقد انمحى بعد شخوصه وحلوله ، وزاد النهار وملأ الضياء الأقطار بعد ذلك الظلام (وَيُولِجُ النَّهارَ) الذي عمّ الكون ضياؤه (فِي اللَّيْلِ) الذي كان قد غاب في علمه فإذا الظلام قد طبق الآفاق فيزيد الليل والطول الذي كان في النهار قد صار نقصا (وَهُوَ) أي : وحده (عَلِيمٌ) أي : بالغ العلم (بِذاتِ الصُّدُورِ) أي : بما فيها من الأسرار والمعتقدات على كثرة اختلافها وتغيرها وإن خفيت على أصحابها.
ولما قامت الأدلة على تنزيهه سبحانه قال تعالى آمرا بالإذعان له ولرسوله صلىاللهعليهوسلم : (آمِنُوا) أي : أيها الثقلان (بِاللهِ) أي : الملك الأعظم الذي لا مثل له (وَرَسُولِهِ) الذي عظمته من عظمته ، ونزل في غزوة العسرة وهي غزوة تبوك (وَأَنْفِقُوا) أي : في سبيل الله (مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) أي : من الأموال التي في أيديكم فإنها أموال الله تعالى لأنها بخلقه وإنشائه لها ، وإنما موّلكم إياها وخولكم بالاستمتاع بها وجعلكم خلفاء في التصرّف فيها فليست هي بأموالكم في الحقيقة وما أنتم فيها إلا بمنزلة الوكلاء والنواب ، فأنفقوا منها في حقوق الله تعالى وليهن عليكم الإنفاق منها كما يهون على الرجل النفقة من مال غيره إذا أذن له فيه ، أو جعلكم مستخلفين ممن كان قبلكم فيما في