النفس وإخلاص النية والنفقة في سبيل الخير وحسنه ؛ كما قاله الرازي : أن يصرف بصره عن النظر إلى فعله والنفقة والامتنان به وطلب العوض عليه (يُضاعَفُ) أي : ذلك القرض (لَهُمْ) من عشرة إلى سبعمائة كما مرّ لأنّ الذي كان له العرض كريم ، وقرأ ابن كثير وابن عامر : بتشديد العين ولا ألف بينها وبين الضاد ؛ والباقون بتخفيف العين وبينها وبين الضاد ألف (وَلَهُمْ) أي : مع المضاعفة (أَجْرٌ كَرِيمٌ) أي : ثواب حسن وهو الجنة والنظر إلى وجهه الكريم.
ثم بين سبحانه وتعالى الحامل على الصدقة ترغيبا فيه وهو الإيمان فقال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) أي : أوجدوا هذه الحقيقة العظيمة في أنفسهم (بِاللهِ) أي : الملك الأعلى الذي له الجلال والإكرام (وَرُسُلِهِ) أي : كلهم لأجل ما لهم من النسبة إليه فمن كذب واحد منهم لم يكن مؤمنا بالله تعالى : (أُولئِكَ) أي : هؤلاء العالو الرتبة (هُمُ الصِّدِّيقُونَ) أي : الذين هم في غاية الصدق والتصديق لما يحق له أن يصدقه من سمعه ؛ وقال القشيري الصديق من استوى ظاهره وباطنه ؛ ويقال : هو الذي يحمل الأمر على الأشق ولا ينزل إلى الرخص ولا يجنح للتأويلات ؛ وقال مجاهد : كل من آمن بالله تعالى ورسله عليهمالسلام فهو صدّيق وتلا هذه الآية ؛ وقال الضحاك : الآية خاصة في ثمانية نفر من هذه الأمة سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام أبو بكر وعلي وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة وتاسعهم عمر بن الخطاب رضي الله عنهم ألحقه الله تعالى بهم لما عرف من صدق نبيه صلىاللهعليهوسلم وعلى آله ، واختلف في نظم قوله تعالى : (وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي : المحسن إليهم بالتربية لمثل تلك الرتبة العالية فمنهم من قال : هي متصلة بما قبلها والواو للنسق وأراد بالشهداء المؤمنين المخلصين ، وقال الضحاك : هم التسعة الذين سميناهم رضي الله عنهم ؛ وقال مجاهد : كل مؤمن صدّيق وشهيد وتلا هذه الآية ، وقال قوم : تم الكلام عند قوله تعالى : (هُمُ الصِّدِّيقُونَ) ثم ابتدأ بقوله تعالى : (وَالشُّهَداءُ) فهو مبتدأ وخبره (لَهُمْ أَجْرُهُمْ) أي : جعله ربهم لهم (وَنُورُهُمْ) أي : الذي زادهموه من فضله برحمته قالوا : والواو للاستئناف وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما ومسروق وجماعة ؛ ثم اختلفوا فيهم فمنهم من قال : هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذين يشهدون على الأمم يروى ذلك عن ابن عباس رضى الله عنهما وهو قول مقاتل بن حيان ، وقال مقاتل بن سليمان : هم الذين استشهدوا في سبيل الله عزوجل.
ولما ذكر تعالى أهل السعادة جعلنا الله تعالى ووالدينا ومحبينا منهم جامعا لأصنافهم أتبعهم أهل الشقاوة لذلك بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) أي : ستروا ما دلت عليه الأدلة (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) أي : على ما لها من العظمة بنسبتها إلينا (أُولئِكَ) أي : هؤلاء البعداء من كل خير (أَصْحابُ الْجَحِيمِ) أي : النار التي هي غاية في توقدها وفي ذلك دليل على أنّ الخلود في النار مخصوص بالكفار من حيث إن التركيب يشعر بالاختصاص ، والصحبة تدل على الملازمة عرفا ، وأما غيرهم من العصاة فدخولهم فيها ليس على وجه الصحبة الدالة على الملازمة.
ولما ذكر تعالى حال الفريقين في الآخرة حقر أمر الدنيا بقوله تعالى : (اعْلَمُوا) أي : أيها العباد المبتلون بحب الدنيا (أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) أي : الحاضرة التي رغب في الزهد فيها والخروج عنها بالصدقة والقرض الحسن ، وما مزيدة للتأكيد أي : الحياة في هذه الدار (لَعِبٌ) أي : لعب لا ثمرة له فهو باطل كلعب الصبيان (وَلَهْوٌ) أي : شيء يفرح به الإنسان فيلهيه أي يشغله عما يعنيه ثم ينقضي كلهو الفتيان ، ثم أتبع ذلك أعظم ما يلهي في الدنيا بقوله تعالى : (وَزِينَةٌ) أي : شيء يبهج