العين ويسر النفس كزينة النسوان وأتبعها ثمرتها بقوله تعالى : (وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ) أي : كتفاخر الأقران يفتخر بعضهم على بعض فيجر ذلك إلى الحسد والبغضاء وأتبع ذلك بما يحصل به الفخر بقوله تعالى : (وَتَكاثُرٌ) أي : من الجانبين كتكاثر الرهبان (فِي الْأَمْوالِ) أي : التي لا يفتخر بها إلا أحمق لكونها مائلة (وَالْأَوْلادِ) أي : التي لا يغتر بها إلا سفيه لأنها زائلة وآفاتها هائلة وإنما هي فتنة وابتلاء يظهر بها الشاكر من غيره ، ثم ذلك كله قد يكون ذهابه عن قريب فيكون على أضداد ما كان عليه فيكون أشد في الحسرة ثم في آخر ذلك يموت فإذا هو قد اضمحل أمره ونسي عما قليل ذكره وصار ماله لغيره وزينته متمتعا بها سواه ، فالدنيا حقيرة وأحقر منها طالبها لأنها جيفة وطالب الجيفة ليس له خطر وأخسهم من يبخل بها ، وقال علي لعمار : لا تحزن على الدنيا فإنّ الدنيا ستة أشياء : مأكول ومشروب وملبوس ومشموم ومركوب ومنكوح ، فأحسن طعامها العسل وهو بزقة ذبابة ، وأكثر شرابها الماء ويستوي فيه جميع الحيوان ، وأفضل ملبوسها الديباج وهو نسج دودة ، وأفضل مشمومها المسك وهو دم فأرة ، وأفضل المركوب الفرس وعليها تقتل الرجال ، وأما المنكوح فهو النساء وهو مبال في مبال والله إنّ المرأة لتزين أحسنها فيراد منها أقبحها ا. ه. ويناسب بعض ذلك قول الشاعر (١) :
فخير لباسها نسجات دود |
|
وخير شرابها قيء الذباب |
وأشهى ما ينال المرء فيها |
|
مبال في مبال مستطاب |
قال القشيري : وهذه الدنيا المذمومة هي ما يشغل العبد عن الآخرة فكل ما يشغله عن الآخرة فهو الدنيا ا. ه. أي : وأما الطاعات وما يعين عليها فمن أمور الآخرة ثم ضرب الله للدنيا مثلا بقوله تعالى : (كَمَثَلِ) أي : هذا الذي ذكرته من أمرها يشبه مثل (غَيْثٍ) أي : مطر حصل بعد جدب وسوء حال (أَعْجَبَ الْكُفَّارَ) أي : الزراع الذين حصل منهم الحرث والبذر الذي يستره الحارث كما يستر الكافر حقيقة أنوار الإيمان بما يحصل منه من الجحد والطغيان (نَباتُهُ) أي : نبات ذلك الغيث كما يعجب الكافر في الغالب بسط الدنيا له استدراجا من الله تعالى : (ثُمَّ يَهِيجُ) أي : ييبس فيتم جفافه فيحين حصاده (فَتَراهُ) أي : عقب كل ذلك وبالقرب منه (مُصْفَرًّا) أي : على حالة لا نموّ بعدها (ثُمَ) أي : بعد تناهي الجفاف (يَكُونُ) أي : كونا كأنه مطبوع عليه (حُطاماً) أي : فتاتا يضمحل بالرياح.
ولما ذكر تعالى الظل الزائل ذكر أثره الثابت الدائم مقسما له إلى قسمين فقال تعالى : (وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ) أي : على من آثر الدنيا وأخذها بغير حقها معرضا عن ذكر الله تعالى وعن الآخرة هذا أحد القسمين ، وأما القسم الآخر فهو : ما ذكره بقوله تعالى : (وَمَغْفِرَةٌ) أي : ولمن أقبل على الآخرة ورفض الدنيا ولم تشغله عن ذكر الله تعالى مغفرة (مِنَ اللهِ) أي : الملك الأعظم (وَرِضْوانٌ) أي : في جنة عالية تفضلا منه تعالى ورحمة ، وقوله تعالى جل وعلا : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) أي : لكونها تشغل بزينتها مع أنها زائلة (إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) أي : هو في نفسه غرور لا حقيقة له إلا ذلك لأنه لا يسر بقدر ما يضر تأكيد لما سبق ، قال سعيد بن جبير : الدنيا متاع الغرور إذا ألهتك عن طلب الآخرة ، فأما إذا دعتك إلى طلب رضوان الله وطلب الآخرة فنعم المتاع ونعم الوسيلة.
__________________
(١) البيتان لم أجدهما في المصادر والمراجع التي بين يدي.