ساعة لا يراق فيها الدم» (١).
وقوله تعالى : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ) أي : الذي له جميع العظمة علم شهادة لأجل إقامة الحجة بما يليق بعقول الخلق فيكون الجزاء على العمل لا على العلم ، عطف على قوله تعالى : (لِيَقُومَ النَّاسُ) أي : لقد أرسلنا رسلنا وفعلنا كيت وكيت ليقوم الناس وليعلم الله (مَنْ يَنْصُرُهُ) أي : ينصر دينه بآلات الحرب من الحديد وغيره وقوله تعالى : (وَرُسُلَهُ) عطف على مفعول ينصره أي : وينصر رسله وقوله تعالى : (بِالْغَيْبِ) حال من هاء ينصره ، أي : غائبا عنهم في الدنيا ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ينصرونه ولا يبصرونه (إِنَّ اللهَ) أي : الذي له العظمة كلها (قَوِيٌ) أي : فهو قادر على إهلاك جميع أعدائه وتأييد من ينصره من أوليائه (عَزِيزٌ) فهو غير مفتقر إلى نصرة أحد وإنما دعا عباده إلى نصرة دينه ليقيم الحجة عليهم فيرحم من أراد بامتثال المأمور ويعذب من يشاء بارتكاب المنهي لبناء هذه الدار على حكمة ربط المسببات بالأسباب.
ولما أجمل الرسل في قوله تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا) فصل هنا ما أجمل من إرسال الرسل بالكتب فقال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا) أي : بما لنا من العظمة (نُوحاً) وهو الأب الثاني وجعلنا الأغلب على رسالته مظهر الجلال (وَإِبْراهِيمَ) وهو أبو العرب والروم وبني إسرائيل الذي أكثر الأنبياء من نسله وجعلنا الأغلب على رسالته تجلي الإكرام (وَجَعَلْنا) أي : بما لنا من العظمة (فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ) فلا يوجد نبي إلا من نسلهما (وَالْكِتابَ) أي : الكتب الأربعة وهي التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : الكتاب الخط بالقلم يقال : كتب كتابا وكتابة والضمير في قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ) يعود على الذرية لتقدم ذكرها لفظا وقيل : يعود على المرسل إليهم لدلالة أرسلنا ، أي : هو بعين الرضا منا وهو من لزم طريقة الأصفياء وإن كان من أولاد الأعداء (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ) أي : المذكورين (فاسِقُونَ) أي : هم بعين السخط وإن كانوا من أولاد الأصفياء ، والمراد بالفاسق ههنا : الكافر لأنه جعل الفساق ضد المهتدين ، وقيل : هو الذي ارتكب الكبيرة سواء أكان كافرا أم لم يكن لإطلاق هذا الاسم وهو يشمل الكافر وغيره (ثُمَّ قَفَّيْنا) أي : أتبعنا بما لنا من العظمة (عَلى آثارِهِمْ) أي : الأبوين المذكورين ومن مضى قبلهما من الرسل أو عاصرهما منهم (بِرُسُلِنا) أي : فأرسلناهم واحدا في أثر واحد كموسى وإلياس وداود وغيرهم ، ولا يعود الضمير على الذرية لأنها باقية مع الرسل وبعدهم وأيضا الرسل المقفى بهم من الذرية (وَقَفَّيْنا) أي : أتبعنا بما لنا من العظمة على آثارهم قبل أن تندرس (بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) وهو من ذرية إبراهيم من جهة أمه وهو آخر من جاء قبل النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام فأمته أولى الأمم باتباعه صلىاللهعليهوسلم (وَآتَيْناهُ) أي : بما لنا من العظمة (الْإِنْجِيلَ) كتابا ضابطا لما جاء به مقيما لملته مبشرا بالنبيّ العربيّ موضحا لأمره مكثرا من ذكره (وَجَعَلْنا) أي : بما لنا من العظمة (فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) أي : على دينه بغاية جهدهم فكانوا على منهاجه (رَأْفَةً) أي : أشدّ رقة على من كان ينسب إلى الاتصال بهم (وَرَحْمَةً) أي : رقة وعطفا على من لم يكن له سبب في الاتصال بهم كما كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين رحماء بينهم حتى كانوا أذلة على المؤمنين مع أنّ
__________________
(١) أخرجه القرطبي في تفسيره ١٧ / ٢٦١ ، وأخرجه ابن حجر في المطالب العالية ٢٤٧٨ ، بلفظ : «إن في يوم الجمعة لساعة لا يحتجم ...».