عائشة : «تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى عليّ بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهي تقول : يا رسول الله أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني اللهمّ إني أشكو إليك ، فما برحت حتى نزل بهذه الآية «قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها» (١) الآية. وروي «أنها كانت حسنة الجسم فرآها زوجها ساجدة فنظر عجيزتها فأعجبه أمرها فلما انصرفت أرادها فأبت فغضب عليها ، قال عروة : وكان امرأ به لمم فأصابه بعض لممه فقال لها : أنت عليّ كظهر أمي وكان الإيلاء والظهار من الطلاق في الجاهلية ، فسألت النبي صلىاللهعليهوسلم فقالت : إنّ أوسا تزوجني وأنا شابة مرغوب فيّ فلما علا سني ونثرت بطني أي : كثر ولدي جعلني عليه كأمّه فقال لها النبيّ صلىاللهعليهوسلم : حرمت عليه فقالت : والله ما ذكر طلاقا وإنه أبو ولدي وأحب الناس إليّ ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : حرمت عليه فقالت أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي فقد طالت صحبتي ونفضت له بطني ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما آراك إلا حرمت عليه أو أومر في شأنك بشيء فجعلت تراجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإذا قال لها رسول الله صلىاللهعليهوسلم : حرمت عليه ، هتفت وقالت : أشكو إلى الله فاقتي وشدّة حالي وإنّ لي صبية صغارا إن ضممتهم إليّ جاعوا وإن ضممتهم إليه ضاعوا وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول : اللهمّ أني أشكو إليك ، فأنزل على لسان نبيك وكان هذا أوّل ظهار في الإسلام ، فأنزل الله تعالى : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها) الآية فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى زوجها وقال : ما حملك على ما صنعت؟ قال : الشيطان فهل من رخصة؟ فقال : نعم وقرأ عليه الأربع آيات فقال له : هل تستطيع العتق؟ فقال لا والله فقال : هل تستطيع الصوم؟ فقال لا والله إني إن أخطأني أن آكل في اليوم مرّة أو مرتين لكل صبري ولظننت أني أموت قال : فأطعم ستين مسكينا ، قال : ما أجد إلا أن تعينني منك بعون وصلة فأعانه رسول الله صلىاللهعليهوسلم بخمسة عشر صاعا ، وأخرج أوس من عنده مثله فتصدق به على ستين مسكينا» (٢).
وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال لها : مريه أن يعتق رقبة فقالت : أيّ رقبة والله لا يجد رقبة وما له خادم غيري ، فقال : مريه أن يصوم شهرين ، فقالت : والله ما يقدر على ذلك إنه يشرب في اليوم كذا كذا مرّة ، فقال : مريه فليطعم ستين مسكينا ، فقالت : أنّى له ذلك» (٣)(وَتَشْتَكِي) أي : تتعمد بتلك المجادلة الشكوى منتهية (إِلَى اللهِ) أي : سؤال الملك الأعظم الرحمة الذي أحاط بكل شيء علما.
فإن قيل : ما معنى قد في قوله تعالى : (قَدْ سَمِعَ) أجيب : بأنّ معناها التوقع لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمجادلة كانا يتوقعان أن يسمع الله تعالى مجادلتها وشكواها وينزل في ذلك ما يفرّج عنها لصدقها في شكواها وقطع رجائها في كشف ما بها من غير الله إنّ الله تعالى يكشف كربتها (وَاللهُ) أي : والحال أنّ الذي وسعت رحمته كلّ شيء ، لأنّ له الأمر كله (يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما)
__________________
(١) أخرجه بنحوه ابن ماجه في الطلاق باب ٢٥.
(٢) أخرجه ابن حبان في سننه حديث ٤٢٧٩.
(٣) أخرجه أحمد في المسند ٦ / ٤١١ ، والطبراني في المعجم الكبير ١ / ١٩٦ ، والسيوطي في الدر المنثور ٦ / ١٧٩ ، ١٨٠ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٧ / ١٣١.