رسول الله صلىاللهعليهوسلم : مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش ، فقالت : أو لم تسمع ما قالوا يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أو لم تسمعي ما قلت ، رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم فيّ» (١) وقال النبي صلىاللهعليهوسلم عند ذلك : «إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : عليك ما قلت» (٢) فأنزل الله تعالى : (وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ) وروى أنس أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم» (٣) بالواو فقال بعض العلماء : إنّ الواو العاطفة تقتضي التشريك فيلزم منه أن ندخل معهم فيما دعوا به علينا من الموت أو من سآمة ديننا وهو الملال يقال سئم يسأم سأمة وسأما ، وقال بعضهم : الواو زائدة كما زيدت في قول الشاعر :
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى
(٤) أي : لما أجزنا انتحى فزاد الواو وقال : آخرون هي للاستئناف ، كأنه قيل : والسام عليكم ، وقال آخرون : هي على بابها من العطف ولا يضرّنا ذلك لأنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا كما تقدّم في قوله صلىاللهعليهوسلم لعائشة.
تنبيه : اختلف العلماء في ردّ السلام على أهل الذمة فقال ابن عباس والشعبي وقتادة : هو واجب لظاهر الأمر بذلك ، وقال مالك : ليس بواجب فإن رددت فقل وعليك ، وعندنا يجب أن يقول له وعليك لما مرّ في الحديث ، وقال بعضهم : يقول في الردّ علاك السلام أي : ارتفع عنك ، وقال بعض المالكية : يقال في الردّ السلام عليك بكسر السين يعني الحجارة
ولما كانوا يخفون ذلك جهدهم ويظنون بإملاء الله تعالى لهم أنه صلىاللهعليهوسلم لا يطلع عليه وإن اطلع عليه لم يقدر أن ينتقم منهم عبر عن ذلك بقوله تعالى : (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ) من غير أن يطلع عليه أحد (لَوْ لا) أي : هلا ولم لا (يُعَذِّبُنَا اللهُ) أي : الذي له الإحاطة بكل شيء (بِما نَقُولُ) أي : لو كان نبينا لعذبنا الله بما نقول وقيل : قالوا إنه يردّ علينا ويقول : وعليكم السام فلو كان نبيا لاستجيب له فينا ومتنا وهذا موضع تعجب منهم فإنهم كانوا أهل الكتاب وكانوا يعلمون أنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يغضبون فلا يعاجلون من يغضبهم بالعذاب (حَسْبُهُمْ) أي : كافيهم في الانتقام (جَهَنَّمُ) أي : الطبقة التي تلقاهم بالتجهم والعبوسة والفظاظة فإن حصل لهم في الدنيا عذاب كان زيادة على الكفاية فاستعجالهم بالعذاب محض رعونة (يَصْلَوْنَها) أي : يقاسون عذابها دائما ، فإنا قد أعددناها لهم (فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي : مصيرهم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي : ادعوا أنهم أوجدوا هذه الحقيقة (إِذا تَناجَيْتُمْ) أي : اطلع كل منكم الكلام من نفسه فرفعه وكشفه لصاحبه سرّا (فَلا تَتَناجَوْا) أي : توجدوا هذه الحقيقة (بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) أي : الكامل في الرسالة كفعل المنافقين واليهود ، وقال مقاتل : أراد
__________________
(١) أخرجه البخاري في الأدب حديث ٦٠٣٠.
(٢) أخرجه الترمذي حديث ٣٣٠١ ، وابن ماجه حديث ٣٦٩٧ ، وأحمد في المسند ٢ / ٩.
(٣) أخرجه البخاري في الاستئذان حديث ٦٢٥٨ ، ومسلم في السلام حديث ٢١٦٣.
(٤) عجزه :
نبا بطن حقف ذي قفاف عقنقل
والبيت من الطويل ، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص ١٥ ، وأدب الكاتب ص ٣٥٣ ، والأزهية ص ٢٣٤ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤٣ ، ٤٥ ، ولسان العرب (جوز) ، وتاج العروس (عقل) ، والمنصف ٣ / ٤١.