فيخرجه الضيق من موضعه» (١) فيكون المراد بالمجلس الجنس ويؤيده قراءة الجمع (فَافْسَحُوا) أي : وسعوا فيه عن سعة صدر (يَفْسَحِ اللهُ) أي : الذي له الأمر كله (لَكُمْ) في كل ما تكرهون ضيقه من الدارين.
وقال الرازي : هذا يطلق فيما يطلب الناس الفسحة فيه من المكان والرزق والصدر والقبر والجنة قال : ولا ينبغي للعاقل أن يقيد الآية بالتفسح في المجلس بل المراد منه إيصال الخير إلى المسلم وإدخال السرور في قلبه.
وإذا قيل : أي من أيّ قائل كان كما مضى إذا كان يريد الإصلاح والخير (انْشُزُوا) أي : ارتفعوا وانهضوا إلى الموضع الذي تؤمرون به أو يقتضيه الحال للتوسعة أو غيرها من الأوامر كالصلاة والجهاد (فَانْشُزُوا) أي : فارتفعوا وانهضوا (يَرْفَعِ اللهُ) أي : الذي له جميع صفات الكمال (الَّذِينَ آمَنُوا) وإن كانوا غير علماء (مِنْكُمْ) أي : أيها المأمورون بالتفسح السامعون للأوامر المبادرون إليها بطاعتهم لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وقيامهم في مجلسهم وتوسعهم لإخوانهم (وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) يجوز أن يكون معطوفا على الذين آمنوا فهو من عطف الخاص على العام فإنّ الذين أوتوا العلم بعض المؤمنين ، ويجوز أن يكون والذين أوتوا العلم من عطف الصفات أي : تكون الصفتان لذات واحدة كأنه قيل : يرفع الله المؤمنين العلماء ودرجات مفعول ثان ، وقال ابن عباس : تمّ الكلام عند قوله تعالى : (مِنْكُمْ) وينتصب الذين أوتوا بفعل مضمر أي : ويخص الذين أوتوا العلم درجات أو ويرفع درجات.
قال المفسرون : في هذه الآية أنّ الله تعالى رفع المؤمن على من ليس بمؤمن والعالم على من ليس بعالم ، قال ابن مسعود مدح الله تعالى العلماء في هذه الآية ، والمعنى : أنّ الله تعالى يرفع الله الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم درجات في دينهم إذا فعلوا بما أمروا به وقال تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر : ٩] وقال تعالى : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) [طه : ١١٤] وقال تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : ٢٨] والآيات في ذلك كثيرة معلومة
وأمّا الأحاديث فكثيرة مشهورة منها «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» (٢) وروي أنّ عمر رضى الله عنه «كان يقدّم عبد الله بن عباس على الصحابة رضي الله تعالى عنهم فكلموه في ذلك فدعاهم ودعاه فسألهم عن تفسير (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) فسكتوا فقال ابن عباس : هو أجل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أعلمه الله إياه فقال عمر ما أعلم منها إلا ما تعلم» (٣).
__________________
(١) أخرجه القرطبي في تفسيره ١٧ / ٢٩٧ ، والعجلوني في كشف الخفاء ٢ / ٣٤٨ ، وعلي القاري في الأسرار المرفوعة ٣٤٥.
(٢) روي الحديث بطرق وأسانيد متعددة ، أخرجه البخاري في العلم باب ١٠ ، والخمس باب ٧ ، والاعتصام باب ١٠ ، ومسلم في الإمارة حديث ١٧٥ ، والزكاة حديث ٩٨ ، ١٠٠ ، والترمذي في العلم باب ٤ ، وابن ماجه في المقدمة باب ١٧ ، والدارمي في المقدمة باب ٢٤ ، وأحمد في المسند ١ / ٣٠٦ ، ٢ / ٢٣٤ ، ٤ / ٩٢ ، ٩٣ ، ٩٥ ، ٩٦ ، ٩٧ ، ٩٨ ، ٩٩ ، ١٠١.
(٣) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.