قمرا ولا صنما ولا اتخذنا من دونك إلها» قال ابن عباس رضي الله عنهما : صدقوا والله أتاهم الشرك من حيث لا يعلمون ثم تلا : وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ» (١) وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة : بفتح السين ، والباقون بكسرها (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) المحكوم بكذبهم في حسبانهم هم والله القدرية ثلاثا.
(اسْتَحْوَذَ) أي : استولى (عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) مع أنه طريد ومحترق ووصل منهم إلى ما يريده وملكهم ملكا لم يبق لهم معه اختيار فصاروا رعيته وصار هو محيطا بهم من كل جهة غالبا عليهم ظاهرا وباطنا من قولهم حذت الإبل وحذذتها إذا استوليت عليها ، والحوذ أيضا : السوق السريع ومنه الأحوذي الخفيف في الشيء لحذقه ، واستحوذ مما جاء على الأصل وهو ثبوت الواو دون قلبها ألفا (فَأَنْساهُمْ) أي : فتسبب عن استحواذه عليهم أن أنساهم (ذِكْرَ اللهِ) أي : الذي له الأسماء الحسنى والصفات العليا (أُولئِكَ) أي : البعداء البغضاء (حِزْبُ الشَّيْطانِ) أي : أتباعه وجنوده وطائفته وأصحابه (أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ) أي : الطريد المحترق (هُمُ الْخاسِرُونَ) أي : العريقون في هذا الوصف ؛ لأنهم لم يظفروا بغير الطرد والاحتراق.
(إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ) أي : يفعلون مع الملك الأعظم الذي لا كفؤ له ، فعل من ينازع آخر في الأرض فيغلب على طائفة ليجعل لها حدا لا يتعداه خصمه (وَرَسُولَهُ) أي : الذي عظمته من عظمته (أُولئِكَ) أي : البعداء البغضاء (فِي الْأَذَلِّينَ) أي : في جملة من هو أدل خلق الله تعالى.
واختلف في معنى قوله عزوجل (كَتَبَ اللهُ) أي : الملك الذي لا كفؤ له فقال أكثر المفسرين أي : قضى الله عزوجل (لَأَغْلِبَنَ) وقال قتادة : كتب في اللوح المحفوظ ، وقال الفراء : كتب بمعنى قال وقوله تعالى : (أَنَا) تأكيد (وَرُسُلِي) أي : من بعث منهم بالحرب ومن بعث منهم بالحجة فإذا انضم إلى الغلبة بالحجة الغلبة بالحرب كان أغلب وأقوى.
وقال مقاتل : قال المؤمنون لئن فتح الله لنا مكة والطائف وخيبر وما حولهنّ رجونا أن يظهرنا الله تعالى على فارس والروم ، فقال عبد الله بن أبي ابن سلول : أتظنون الروم وفارس كبعض القرى التي غلبتم عليها والله إنهم لأكثر عددا وأشدّ بطشا من أن تظنوا فيهم فنزل (لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي.)
ونظيره قوله تعالى : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) [الصافات : ١٧١ ـ ١٧٣] وقرأ نافع وابن عامر : بفتح الياء والباقون بالسكون (إِنَّ اللهَ) أي : الذي له الأمر كله (قَوِيٌ) أي : على نصر أوليائه (عَزِيزٌ) أي : لا يغلب عليه في مراده.
ثم نهى تعالى عن موالاة أعداء الله تعالى بقوله سبحانه (لا تَجِدُ) أي : بعد هذا البيان (قَوْماً) أي : ناسا لهم قوة على ما يريدون (يُؤْمِنُونَ) أي : يجددون الإيمان ويديمونه (بِاللهِ) أي : الذي له صفات الكمال (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الذي هو موضع الجزاء لكل عامل بكل ما عمل الذي هو محط الحكمة (يُوادُّونَ) أي : يحصل منهم ودّ لا ظاهرا ولا باطنا (مَنْ حَادَّ اللهَ) أي : عادى بالمناصبة في حدود الملك الأعلى (وَرَسُولَهُ) فإن من حادّه فقد حادّ الذي أرسله بل لا تجدهم إلا يحادّونهم لا أنهم يوادّونهم.
وزاد ذلك تأكيدا بقوله تعالى : (وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ) أي : الذين أوجب الله تعالى إلا بناء
__________________
(١) أخرجه القرطبي في تفسيره ١٧ / ٣٠٥.