(كَتَبَ) أي : أثبت قاله الربيع بن أنس رضي الله عنه ، وقيل : خلق ، وقيل : جعل كقوله تعالى : (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران : ٥٣] أي : اجعلنا ، وقوله تعالى : (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) [الأعراف : ١٥٦] وقيل : كنب (فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) [المجادلة : ٢٢] بما وفقهم فيه وشرح له صدرهم ، أي : على قلوبهم كقوله تعالى : (فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) [طه : ٧١] وخص القلوب بالذكر لأنها موضع الإيمان. قال البيضاوي : وهو دليل على خروج العمل من مفهوم الإيمان ، فإنّ جزاء الثابت في القلب يكون ثابتا فيه ، وأعمال الجوارح لا تثبت فيه. (وَأَيَّدَهُمْ) أي : وقوّاهم وشدّدهم وشرّفهم (بِرُوحٍ) أي : نور شريف جدّا يفهمون به ما أودع في كتابه وسنة نبيه صلىاللهعليهوسلم من نور العلم والعمل (مِنْهُ) أي : من الله تعالى أحياهم به فلا انفكاك لذلك عنهم في وقت من الأوقات ، فأثمر لهم استقامة المناهج ظاهرا وباطنا ، فعملوا الأعمال الصالحة فكانوا للدنيا كالسرج ، فلا تجد شيئا أدخل في الإخلاص من موالاة أولياء الله تعالى ، ومعاداة أعدائه لا بل هو عين الإخلاص ، ومن جنح إلى منحرف عن دينه ، أوداهن مبتدعا في عقيدته نزع الله تعالى نور التوحيد من قلبه.
قال الزمخشري : ويجوز أن يكون الضمير للإيمان ، أي : بروح من الإيمان على أنه في نفسه روح لحياة القلوب به وقال ابن عباس رضى الله عنهما : نصرهم على عدوّهم ، وسمى تلك النصرة روحا ، لأنّ بها يحيا أمرهم. وقال الربيع بن أنس رضى الله عنه : بالقرآن وحججه ، وقال ابن جريج : بنور وبرهان وهدى ، وقيل : برحمة ، وقيل : أيدهم بجبريل عليهالسلام (وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ) أي : بساتين تستر داخلها من كثرة أشجارها.
وأخبر عن ريها بقوله تعالى : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي قصورها (الْأَنْهارُ) فهي بذلك كثيرة الرياض والأشجار وقال تعالى : (خالِدِينَ فِيها) لأنّ ذلك لا يلذ إلا بالدوام ، وقال تعالى : (رَضِيَ اللهُ) أي : الملك الأعظم (عَنْهُمْ) لأنّ ذلك لا يتم إلا برضا مالكها الذي له الملك كله (وَرَضُوا عَنْهُ) أي : لأنه أعطاهم فوق ما يؤملون (أُولئِكَ) أي : الذين هم في الدرجات العلى من العظمة لكونهم قصروا ودّهم على الله تعالى ، علما منهم بأنه ليس الضرّ والنفع إلا بيده (حِزْبُ اللهِ) أي : جند الملك الذي أحاط بجميع صفات الكمال (أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ) أي : جند الملك الأعلى ، وهم هؤلاء الموصوفون ومن والاهم (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي : الذين حازوا الظفر بكل ما يؤملون في الدارين ، وقد علم من الرضا من الجانبين والحزبية والإفلاح عدم الانفكاك عن السعادة فأغنى ذلك عن تقييد الخلود بالتأييد.
فائدة : هذه السورة نصف القرآن عددا ، وليس فيها آية إلا وفيها ذكر الجلالة الكريمة مرة أو مرتين أو ثلاثا. وما رواه البيضاوي تبعا للزمخشري عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم «أنّ من قرأ سورة المجادلة كتب من حزب الله تعالى يوم القيامة» (١) حديث موضوع. والله تعالى أعلم.
__________________
(١) ذكره الزمخشري في الكشاف ٤ / ٤٩٧.