وهو قول بعض أهل العلم منهم مالك والحسن وطاوس وعطاء وعكرمة وقتادة لقوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) وقال بعضهم : ينتظر بها تمام العدّة ، وهو قول الزهري والشافعي وأحمد ، واحتجوا بأن أبا سفيان بن الحارث أسلم قبل هند بنت عتبة امرأته ، وكان إسلامه بمرّ الظهران ، ثم رجع إلى مكة وهند بها كافرة مقيمة على كفرها ، فأخذت بلحيته وقالت : اقتلوا الشيخ الضال ، ثم أسلمت بعده بأيام فاستقرّا على نكاحهما لأنّ عدتها لم تكن انقضت ، قالوا : ومثله حكيم بن حزام أسلم قبل امرأته ، ثم أسلمت بعده فكانا على نكاحهما. قال الشافعي : ولا حجة لمن احتج بقوله تعالى : (بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) لأنّ نساء المؤمنين محرمات على الكفار كما أن المسلمين لا تحل لهم الكوافر الوثنيات ولا المجوسيات لقوله تعالى : (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) ثم بينت السنة أن مراد الله تعالى من قوله هذا : أنه لا يحل بعضهم لبعض إلا إن أسلم الثاني منهما في العدّة.
وقال أبو حنيفة وأصحابه في الكافرين الذمّيين : إذا أسلمت المرأة عرض على الزوج الإسلام فإن أسلم ، وإلا فرق بينهما ، قالوا : ولو كانا حربيين فهي امرأته حتى تحيض ثلاث حيض إذا كانا جميعا في دار الحرب ، أو في دار الإسلام ، وإن كان أحدهما في دار الحرب والآخر في دار الإسلام انقطعت العصمة بينهما ، وقد تقدّم أنّ اعتبار الدار ليس بشيء ، وهذا الخلاف إنما هو في المدخول بها.
فأمّا غير المدخول بها فلا نعلم خلافا في انقطاع العصمة بينهما إذ لا عدّة عليها ، وكذا يقول مالك في المرأة يرتد زوجها المسلم تنقطع العصمة بينهما لقوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) وهو قول الحسن البصري والحسن بن صالح وقال الشافعي وأحمد : ينتظر بها تمام العدّة ، فإن كان الزوجان نصرانيين فأسلمت الزوجة فذهب مالك والشافعي وأحمد إلى تمام العدّة ، وهو قول مجاهد ، وكذا الوثني تسلم زوجته إن أسلم في عدّتها فهو أحق بها ، كما أن صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل أحق بزوجتيهما لما أسلما في عدّتهما لما ذكر مالك في الموطأ.
قال بعض العلماء : كان بين إسلام صفوان وبين إسلام امرأته نحو من شهر ، قال : ولم يبلغنا أنّ امرأة هاجرت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم زوجها كافر مقيم بدار الحرب إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها ، إلا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها. وقال بعضهم : ينفسخ النكاح بينهما لما روى يزيد بن علقمة قال : أسلم جدّي ولم تسلم جدّتي ففرق بينهما عمر ، وهو قول طاوس وعطاء والحسن وعكرمة قالوا : لا سبيل له عليها إلا بخطبة (وَسْئَلُوا) أي : أيها المؤمنون الذين ذهبت زوجاتهم إلى الكفار مرتدّات (ما أَنْفَقْتُمْ) أي : من مهور نسائكم (وَلْيَسْئَلُوا) أي : الكفار (ما أَنْفَقُوا) أي : من مهور أزواجهم اللائي أسلمن. قال المفسرون : كان من ذهب من المسلمات مرتدّات إلى الكفار من أهل العهد يقال للكفار : هاتوا مهرها ، ويقال للمسلمين : إذا جاء أحد من الكافرات مسلمة مهاجرة ردّوا إلى الكفار مهرها ، وكان ذلك نصفا وعدلا بين الحالين (ذلِكُمْ) أي : الحكم الذي ذكر في هذه الآيات البعيدة تعلق الرتبة عن كل سفيه (حُكْمُ اللهِ) أي : الملك الذي له صفات الكمال ، فلا تلحقه شائبة نقص (يَحْكُمُ) أي : الله إذ حكمه على سبيل المبالغة (بَيْنَكُمْ) أي : في هذا الوقت وفي غيره على هذا المنهاج البديع ، وذلك لأجل الهدنة التي كانت وقعت بين النبيّ صلىاللهعليهوسلم وبينهم ، وأمّا قبل الحديبية فكان النبيّ صلىاللهعليهوسلم يمسك النساء ولا يردّ الصداق